
كتب:إبراهيم عدلان
مقدمة
يُعد مشروع مطار الخرطوم الجديد أحد أكبر المشاريع التنموية التي ظلّ الشعب السوداني يتطلع إليها منذ بداية الألفية الجديدة، ليس فقط لحاجة البلاد الملحة إلى بنية تحتية جوية حديثة، بل لكونه يمثل واجهة سيادية واستراتيجية تعكس مكانة السودان الجغرافية ودوره الإقليمي. إلا أن المشروع، رغم توفر التمويل والدعم السياسي المعلن، لم يرَ النور حتى اليوم، بعد أن التهم عقدان من الزمن، ومرّ عبر عقدين رئيسيين مع شركتين أجنبيتين، وانتهى به الأمر في أرشيف الفشل الحكومي المزمن.
أولًا: فشل الحكومة – الأسباب العميقة
رغم وضوح أهمية المشروع، فقد فشلت حكومة الإنقاذ في تنفيذ مطار الخرطوم الجديد لأسباب بنيوية تتصل بطبيعة الحكم والإدارة، ومن أبرزها:
1. غياب الإرادة السياسية الحقيقية
لم تكن لدى الحكومة آنذاك إرادة حقيقية لتحويل المشروع إلى واقع، بل كان يُستخدم في الغالب كأداة دعائية موسمية، توظف في زيارات رسمية أو تصريحات إعلامية، دون توفر التزام تنفيذي صادق أو مستدام.
2. الفساد المالي والإداري
الفساد الذي كان مستشريا كان أحد المعوقات الرئيسية. إذ تم توقيع العقود، وتدفق التمويل، دون أن يُحرز المشروع أي تقدم يُذكر، مع غياب المساءلة أو التدقيق.
3. ضعف الكفاءة الإدارية
افتقرت مؤسسات الدولة إلى منظومة متكاملة لإدارة مشروع ضخم كهذا، مما أدى إلى ارتباك إداري وتأخير مستمر في اتخاذ القرارات الفنية والتنفيذية.
4. التقلبات السياسية والعزلة الدولية
التقلب في العلاقات مع الدول الداعمة (الصين وتركيا) تحت تأثير العقوبات والعزلة الدولية، أضعف فرص استدامة التمويل والدعم الفني، وأدى إلى توقف المشروع في كل مرة يُحرز فيها بعض التقدم الورقي.
ثانيًا: عقد شركة China Harbour – تمويل مهدور
في عام 2012، وقعت الحكومة عقدًا مع شركة China Harbour Engineering Company، وهي شركة حكومية صينية رائدة في مشروعات البنية التحتية. وتضمن العقد إنشاء مطار جديد بمنطقة صالحة جنوب أم درمان، بتمويل صيني بلغ نحو 700 مليون دولار.
✅ مميزات الاتفاق:
• تمويل ميسر وطويل الأجل.
• خبرة الشركة في مشاريع مشابهة حول العالم.
• وُضع حجر الأساس وسط احتفال إعلامي كبير.
ما حدث فعليًا:
• لم تُنجز أي أعمال إنشائية فعلية سوى تسوير رمزي للموقع.
• فشلت الحكومة في تسليم الموقع خاليًا من الموانع القانونية والسكانية.
• ظهرت شبهات تحويل أجزاء من التمويل لأغراض أخرى.
• لم تفعل الحكومة شروط العقد، ولم تلتزم بتوفير المرافق المكملة للمطار (شبكات طرق، كهرباء، مياه).
الشروط الجزائية:
• احتوى العقد على بنود جزائية للطرفين.
• لم تُفعل من قبل الصين لأن الحكومة السودانية هي الطرف المتخلف عن التنفيذ.
• الصين التزمت الصمت تجنبًا للتصعيد الدبلوماسي، لكن النتيجة كانت تجميد المشروع وتحميل السودان ديونًا دون مقابل حقيقي.
ثالثًا: عقد شركة سوما التركية – تعاقد في الظل
في العام 2018، وبعد أن أصبح المشروع الصيني في حكم المنتهي، لجأت الحكومة إلى شركة SOMA التركية، ذات الارتباطات السياسية القوية بنظام أردوغان، ووقعت معها عقدًا بنظام BOT (بناء – تشغيل – تحويل)، بحيث تقوم الشركة بتمويل وبناء المطار، وتشغيله لفترة تصل إلى 30 عامًا.
المشكلات الرئيسية:
• تم توقيع العقد في ظروف غامضة دون طرح عطاء عالمي، وبعيدًا عن أي رقابة تشريعية.
• لم تقدم الشركة ضمانات مالية واضحة، ولا خطة تنفيذ مكتملة.
• اعترضت وزارة العدل لاحقًا على بعض بنود العقد لافتقارها إلى الشفافية والتوازن.
• لم يُفعّل العقد ولم يصدر ما يعرف بـ إشعار الشروع في التنفيذ (Notice to Proceed).
هل تدخلت محكمة التجارة الدولية؟
• لا توجد أي أدلة على رفع دعوى تحكيم أو إيقاف قانوني دولي من قبل SOMA.
• الحكومة الجديدة بعد الثورة جمّدت العقد دون تصعيد دولي، وهو ما جنّب السودان تبعات تحكيم دولي مكلف، لكنه أبقى المشروع في حالة “موت سريري”.
خاتمة: كيف نعيد إحياء المشروع؟
إن مشروع مطار الخرطوم الجديد هو قضية سيادة وتنمية وطنية. ولإحيائه، لا بد من:
1. إغلاق الملفات السابقة قانونيًا مع كل من China Harbour وSOMA.
2. إعداد دراسة جدوى فنية ومالية مستقلة.
3. التعاقد بشفافية عبر مناقصة دولية مفتوحة.
4. إعادة هيكلة قطاع الطيران المدني على أسس احترافية بعيدة عن النفوذ السياسي.
5. إشراك الكفاءات الوطنية داخل السودان وخارجه في التخطيط والتنفيذ.