قد تكون هذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها العسكر الاتصالات كسلاح في معاركهم. الجديد أن العدو في السابق كان المواطن السوداني، بينما في معركة إلىوم تحول حلفاء الأمس في هذه المعركة إلى أعداء في الحرب الحإلىة.
قطع الاتصالات لحصار التحركات الجماهيرية
منذ انتصار الثورة في 11 أبريل 2019، لم يتردد المجلس العسكري الذي تسلم السلطة حينها كأمر واقع في استخدام سلاح قطع الاتصالات والانترنت في حربه على الحركة الجماهيرية. حيث قطعت الاتصالات خلال وبعد مجزرة فض الاعتصام في يونيو 2019 لمنع تداول الصور والمعلومات بشأن هذه المجزرة.
وتبع ذلك قطع خدمات الانترنت لحوإلى شهر كامل في أعقاب الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021، وبجانب ذلك قطعت الاتصالات لثلاث مرات على الأقل لفترة قصيرة في تزامن مع الدعوات للتظاهرات الجماهيرية المرتبطة بالأحداث الكبيرة في تاريخ السودان السياسي مثل 30 يونيو و 6 أبريل و 21 أكتوبر.
السيطرة على القطاع الاهم
مثلت السيطرة على قطاع الاتصالات أحد أولويات المجلس العسكري وقد ظهر ذلك في القرار الذي أصدره وقبل 24 ساعة فقط من توقيع اتفاق 16 أغسطس 2019 بشأن تشكيل مؤسسات الحكم الانتقإلى والذي ينص على تبعية جهاز تنظيم الاتصالات والبريد لمجلس السيادة وليس للحكومة المدنية وتعيين اللواء الصادق جمال الدين الصادق مديرا للجهاز. كما وضعت القوات المسلحة يدها على شركة سوداني، المشغل الثالث للهاتف المحمول وعينت الفريق مهندس، إبراهيم جابر، عضو مجلس السيادة رئيسا لمجلس إدارتها.
ورغم احتجاجات القوى المدنية، إلا أن هذا الوضع استمر حتى تشكيل الحكومة المدنية الثانية في بداية العام 2021 وإنشاء وزارة للاتصالات وتعيين المهندس هاشم حسب الرسول وزيرا لها. حينها بدأ التنازع بين العسكريين والمدنيين للسيطرة على هذا القطاع.
في ذلك الوقت، كان طرفا الحرب إلىوم، الجيش والدعم السريع، يواجهان عدوا مشتركا هو التحركات الجماهيرية الواسعة المطالبة بعودة الحكم المدني. ولكن منذ اندلاع الحرب بينهما، استطاع الجيش فرض سيطرته على شركات الاتصالات وفرض قرارته عليها بالرغم من أن البنيات الأساسية الرئيسية لهذه الشركات تتواجد في العاصمة السودانية الخرطوم، والتي تسيطر عليها قوات الدعم السريع بشكل شبه كامل فيما عدا منطقتي القيادة العامة في شمال الخرطوم وسلاحي المدرعات والذخيرة في جنوب غرب المدينة. كما تسيطر قوات الدعم السريع على كل المنطقة التي يقع فيها مبنى جهاز تنظيم الاتصالات والبريد حيث توجد الكثير من غرف التحكم والسيطرة.
ماذا حدث في 4 فبراير
وفي رده على سؤال لراديو دبنقا عما حدث في يوم 4 فبراير 2024، أكد المهندس هاشم حسب الرسول، وزير الاتصالات في حكومة الفترة الانتقإلىة، أن توقف خدمات الاتصالات في يوم 4 فبراير 2024 هو نتيجة مباشرة لإغلاق لخدمات الاتصالات Service shut down بتعليمات من قوات الدعم السريع للشركات. وهي نفس الإلىة التي يتم بها اغلاق الخدمات في كل مرة كما حدث في فض الاعتصام واثناء التظاهرات، ولكن هذه المرة عبر جهةٍ اخري جديدة هي سلطة الامر الواقع.
واعتبر المهندس هاشم حسب الرسول أن قطع خدمات الاتصالات سيجعل حياة الناس جحيما وسيعقد الوضع الانساني الكارثي اصلا. كما أن انقطاع الخدمات سيودي إلى توقف كل التطبيقات الحيوية والبنكية مما سيعطل حركة الاقتصاد ومعاش الناس وهذا يعتبر جريمة انسانية.
المهندس هاشم حسب الرسول، وزير الاتصالات في حكومة الفترة الانتقإلىة
قطع خدمات الاتصالات الآن سلاح اضافي يوجه إلى صدور المواطنين وبغض النظر عن الجهة التي تستخدمه ما يعد انتهاكا لحق إنساني أصيل بتوفير خدمات الاتصالات. ووصف وزير الاتصالات السابق الظروف التي تعمل فيها شركات الاتصالات، وهي شركات خاصة، بأنها معقدة، ولكنها نجحت في الاستمرار في تقديم الخدمات للجمهور رغم الأوضاع التي فرضتها الحرب.
الاتصالات كسلاح في الحرب
منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، ظل طرفا الحرب يستخدمان سلاح الاتصالات كوسيلة للحد من قدرة الطرف الآخر على التواصل والتحرك. وبالطبع كان للجيش اليد العليا في هذا الجانب، باعتباره قد أصبح حكومة أمر واقع وتعمل كل شركات الاتصالات تحت أمرته.
وكان جهاز تنظيم الاتصالات والبريد في مقدمة مؤسسات الدولة التي نزحت للعمل من مدينة بورتسودان لتكون تحت الإشراف المباشر للأجهزة الأمنية والاستخبارية، وعمد الجيش إلى قطع الاتصالات عن المناطق التي ينفذ فيها عمليات عسكرية لمنع التواصل بين قوات الدعم السريع، فيما عملت قوات الدعم السريع على قطع الاتصالات لمنع تداول المعلومات عن تحركات قواتها.
وتشير بعض المصادر أن احد من أهداف الجيش من قطع الاتصالات هو منع استخدام شبكات الهاتف النقال في تشغيل المسيرات. فمسيرات الجيش في غالبيتها هي في الأساس مسيرات عسكرية تستخدم شبكات الاتصالات اللاسلكية المشفرة للقوات المسلحة. بينما غالبية مسيرات قوات الدعم السريع هي مسيرات مدنية يمكن شرائها من الأسواق وتستخدم شرائح الهاتف النقال كوسيلة للتحكم.
قد شدد المهندس هاشم حسب الرسول في حديثه لراديو دبنقا إلى أنه ومهما كانت المبررات، فإن استخدام الاتصالات كسلاح في الحرب أمر مرفوض إنسانيا وأخلاقيا ويمارس الطرفان التعتيم الإعلامي بشكل واسع للتضليل، الأمر الذي يفاقم من مشاكل المواطنين ويزيد من معاناتهم. وأشار وزير الاتصالات السابق إلى إمكانية تشغيل الشبكات من مناطق بديلة شريطة أن تكون الشركات مستعدة لهذا الاحتمال مسبقا عبر الوصول إلى مخدماتها من البعد أو تشغيل مخدمات بديلة.
فرض العزلة على دارفور
فيما عدا مدينة الفاشر، التي تتذبذب فيها خدمات الاتصالات، ظلت كل ولايات دارفور وبعض أجزاء كردفان الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع تشهد انقطاعا تاما لخدمات الاتصالات وبقرار من الجيش السوداني بالرغم من التبريرات التي تسوقها الشركات المشغلة للهاتف المحمول من حدوث انقطاعات في شبكات الألياف الضوئية تتطلب تدخل فرق المهندسين، وأن ذلك غير متاح بسبب الأوضاع الأمنية.
ويعتبر الكثير من مواطني دارفور أن قطع الاتصالات من ولايات الإقليم الخمس هو شكل من أشكال العقوبات الجماعية والتي تحمل المواطن جريرة أفعال الدعم السريع.
وقد جاء الخطاب الموجه بتاريخ 7 ديسمبر 2023 من مدير جهاز تنظيم الاتصالات والبريد الذي يطلب فيه من قوات الشرطة منع استخدام ومصادرة أجهزة الانترنت الفضائي، ستار لينك، جاء أن الجيش مهموم بقطع الاتصالات وعدم توفير أي وسائل بديلة للمواطن حتى وإن كانت بوسائله الخاصة وفي ظل غياب أجهزة الدولة القادرة على تقديم الخدمة بشكل سليم، وإن كانت الخدمات الفضائية لا تعتبر بديلا لخدمات الهاتف المحمول وهي مخصصة للشركات وللمؤسسات على الاقل في الوقت الراهن وباهظة الكلفة للغاية.
لكن المهندس هاشم حسب الرسول نوه إلى أنه وبحسب المعلومات المتوفرة لدى الشركات فإن توقف خدمات الاتصال مع كل غرب السودان ناتجة عن انقطاع في الكيبل الأرضي وهذه ليست معلومات الدولة. حيث لم تستطع الشركات الوصول لهذا الكيبل الممتد من الخرطوم إلى الأبيض وبعد ذلك إلى نيالا بسبب أوضاع الحرب. ويتطلب ذلك أن يوفر الطرف المسيطر على الأرض الحماية للطواقم الفنية لتقوم بعمليات الصيانة.
وتوقع وزير الاتصالات السابق أن تزيد الأمور سوءا وأن يشمل انقطاع الخدمة مناطق عمليات عسكرية أخرى في حال لم تتوقف الحرب بسرعة.
وأقر المهندس هاشم حسب الرسول بقدرة الشركات على قطع الخدمات عن مناطق بعينها، لكنه أكد أيضا أن الشركات شركات خاصة ولا مصلحة لها في ذلك وأن قطع الخدمات يأتي بتعليمات من السلطات السيادية.
تأثر خدمات الدفع المصرفي
من أكثر التداعيات السلبية لقطع الاتصالات والتي تترك تأثيرا مباشرا على كل السودانيين هو انقطاع خدمات الدفع عبر التطبيقات المصرفية وفي مقدمتها دون شك. فحتى في فترة ما قبل الحرب، لعبت هذه التطبيقات دورا أساسيا في كل المعاملات المصرفية والتجارية وعلى كل المستويات كبديل للدفع النقدي في ظل التضخم وفقدان العملة السودانية لقيمتها بشكل منتظم الأمر الذي يتطلب حمل كميات كبيرة من العملة لتنفيذ عمليات دفع محدودة.
وبعد الحرب، تضاعفت هذه الأهمية مرات ومرات بالنظر إلى أن تطبيق بنكك أصبح وسيلة الدفع الوحيدة في ظل تعطل المصارف وتوقف ماكينات الصراف الإلى بالإضافة إلى المخاطر الأمنية التي تحد من القدرة على التعامل بالنقد
. واعتبر المهندس هاشم حسب الرسول أن تأثيرات قطع خدمات الاتصالات على التطبيقات المصرفية سيكون كارثيا لأن السودانيين يعتمدون عليها الآن في حياتهم إلىومية الأمر الذي سيحد من حركة الأموال وربما يقود إلى مجاعة طاحنة في حال استمر قطع الخدمات.
ومن المعروف أن ملايين السودانيين داخل وخارج السودان يستخدمون تطبيق بنكك بشكل أساسي لإرسال الحوالات المإلىة مباشرة لأسرهم وأصدقائهم، كما تتم كل عمليات الشراء والبيع سواء أن كان ذلك في قطاع التجزئة أو قطاع الإجمإلى عبر الدفع بواسطة تطبيق بنكك.
وبتوقف خدمات الهاتف المحمول، سيجد ملايين السودانيين داخل وخارج البلاد أنفسهم محرومين من استخدام هذه الخدمة وبالتالي محرومين من شراء احتياجاتهم اليومية.
توقف الخدمات الحكومية
لم يكن مفاجئا أن تعلن سلطات الجوازات والهجرة والجنسية عن توقف خدماتها للجمهور وبمجرد قطع خدمات الاتصالات. وبجانب ذلك توقفت خدمات الجمارك وعدد آخر من الخدمات الحكومية التي تعتمد على الاتصالات عبر شبكة الانترنت. كما سيقود ذلك إلى شلل في كافة الخدمات الحكومية المرتبطة بتحصيل الرسوم والضرائب أو تعبئة الاستمارات بشكل مباشر على الشبكات الالكترونية.
من جهته دعا المهندس هاشم حسب الرسول إلى وقف الحرب حتى تنتهي كل تداعياتها وكوارثها التي ألمت بالشعب السوداني، مطالبا بالتوقف عن استخدام الاتصالات كسلاح إضافي في هذه الحرب يزيد من معاناة المدنيين في كل أنحاء السودان ودعا إلى إعادة الخدمة فورا لأن توقفها يمثل انتهاكا لحقوق المواطن.
نقابة الصحفيين تطالب بعودة خدمات الاتصالات
من جانبها، أدانت نقابة الصحفيين السودانيين إقدام قوات الدعم السريع، على قطع خدمتي الاتصالات والإنترنت، ما يُمثّل انتهاكًا لحقوق الإنسان، في الحصول على المعلومات، وتداولها. وأعلنت النقابة رفضها قطع خدمتي الاتصالات والإنترنت واعتبرته انتهاكًا لحقوق الإنسان وحرية التعبير وللقانون الدولي .
وقالت إن ذلك يتسبّبُ في عرقلة الحصول على الخدمات الصحيّة، ويُعرّض حياة الملايين للخطر وأشارت إلى تأثيره على مستخدمي التطبيقات البنكية، حيث يُواجهون صعوباتٍ بالغةٍ في استخدام هذه التطبيقات، خاصةً في ظل اعتمادهم على التحويلات المالية التي تأتي من الخارج.
التستر على الانتهاكات
وأكدت النقابة أن قطع الاتصالات والإنترنت يُساعد كذلك في التستر وإخفاء الانتهاكات والجرائم المرتكبة جرّاء الحرب الدائرة، مما يؤدي إلى الإفلات من العقاب، ونبهت إلى تأثير انقطاع هاتين الخدمتين ُ بشكلٍ بالغ على عمل الصحفيين، ويزيد من معاناتهم في رصد ونشر المعلومات والأخبار.
وطالبت النقابة بإعادة خدمة الاتصالات والإنترنت فورًا، كما تُناشد المنظمات الإقليمية والدولية العاملة في مجال حرية التعبير وحقوق الإنسان، بإدانة قطع خدمتي الاتصالات والإنترنت، والضغط لإعادتهما إلى العمل.
الحفاظ على البنيات الأساسية
قال ياسر عرمان القيادي في الحرية والتغيير إن قطع خدمات شركات الاتصالات يتعلق بأروح وحياة ملايين السودانيين والسودانيات، وأكد في تدوينة على منصة إكس إن الاتصالات حق دستوري ووطني وانساني و تساهم في إنقاذ وحماية الملايين اثناء الحرب وطالب طرفي الحرب وشركات الاتصال عدم تسيس الاتصالات واستخدامها كسلاح في الحرب.
وأكد في الوقت ذاته إن وقف الاتصالات من اقليم دارفور أمر خاطئ مثل وقفها من بورتسودان أو غيره، ووجه نداء للسودانيين أولاً وللقائمين على أمر الوساطة السعودية-الاميركية وللاتحاد الأفريقي والايقاد ولبلدان الجوار والأمم المتحدة لحث طرفي الحرب والعمل معهما لوضع أُسس للحفاظ على البنية التحتية والمشاريع القومية وعلى رأسها شركات الاتصالات.
ينتظر ملايين السودانيين الان بقلق واشفاق عودة خدمات الاتصالات التي تمثل صلتهم الوحيدة بذويهم وبالعالم ووسيلتهم لتبادل واقتسام الموارد الشحيحة المتاحة لهم من تحويلات مالية وغيرها إضافة إلى انها واحدة اخر المظاهر المتبقية للدولة السودانية الواحدة، ويأمل المواطنون في ان يكف طرفا الحرب عن حرمانهم من اخر ما تبقى لهم من خدمات عامة