
كتب:إبراهيم عدلان
في سياق الجهود الرامية لجعل مطار الخرطوم وجهة جاذبة إقليميًا، تبرز ضرورة موازية لا تقل أهمية، وهي إعادة الحياة إلى المطارات الإقليمية في السودان. فالمطارات ليست مجرد مهابط طائرات، بل بوابات اقتصادية، وأذرع خدمية، ومحركات تنمية. إن حصر النشاط الجوي في الخرطوم يمثل اختناقًا مزدوجًا: اختناق لحركة الطيران، واختناق لفرص النمو الاقتصادي في الولايات.
وعليه، فإن إعادة تشغيل المطارات الإقليمية يجب أن تتم عبر خطة وطنية شاملة ومحكمة، تشتمل على أدوات تنفيذ ملزمة وتحفيزية، وعلى رأسها إلزام شركات الطيران الوطنية بتسيير عدد محدد من الرحلات الأسبوعية إلى مطارات إقليمية مختارة بناءً على الكثافة السكانية أو الأهمية الاقتصادية أو الموقع الجغرافي الاستراتيجي.
لامركزية الطيران: حين يصبح مطار إقليمي هو القلب النابض لشركة وطنية
ماذا لو تحوّل مطار نيالا أو دنقلا أو كسلا إلى مركز رئيس (HUB) لإحدى شركات الطيران الوطنية مثل تاركو للطيران أو بدر للطيران؟!
هذا التحوّل لا يعني فقط تغييرًا لوجستيًا في موقع الشركة، بل يعني تغيّرًا جذريًا في المشهد الاقتصادي والاجتماعي للمدينة:
• إنشاء مركز صيانة هندسي متكامل
• نقل مقرات الإدارة والتشغيل والموارد البشرية
• استقرار مئات الموظفين وأسرهم، مما ينعش سوق الإسكان والخدمات
• إنشاء مراكز حجوزات ومكاتب مبيعات
• خلق وظائف مباشرة (خدمية، لوجستية، إدارية) وغير مباشرة (مطاعم، مواصلات، تجارة)
• زيادة الرحلات اليومية من وإلى المدينة مما يربطها بالمركز وبالمدن الأخرى
مدينة مثل نيالا، بقربها من الأسواق الحدودية مع تشاد وأفريقيا الوسطى، أو دنقلا القريبة من المثلث الذهبي للزراعة والتعدين، أو كسلا المجاورة للحدود الشرقية، يمكن أن تتحول بوجود شركة طيران إلى قطب اقتصادي نابض.
شهادة التشغيل (AOC) كأداة سيادية للتوجيه
من بين الخطوات التنظيمية الذكية التي يمكن أن تتبناها سلطة الطيران المدني السوداني، ربط تجديد شهادة التشغيل الجوي AOC بخطة تشغيل واقعية للمطارات الإقليمية، بحيث لا تكون الخدمة مقتصرة على الخرطوم فقط، بل ممتدة وموزعة جغرافيًا.
هذا الإجراء سيعزز الالتزام، ويحوّل الطيران من نشاط مركزّي إلى نشاط وطني شامل، تستفيد منه كل الولايات.
مكاسب مزدوجة: للشركة والمجتمع
• للشركة: انخفاض تكلفة التشغيل والسكن، تقليل الضغط على موارد الخرطوم، وتوسع في شبكات التشغيل نحو أسواق جديدة.
• للمجتمع المحلي: وظائف، استثمارات، خدمات، ربط أفضل بالعاصمة وبالعالم الخارجي، ونمو اقتصادي محسوس.
على سبيل المثال، إذا نقلت تاركو للطيران مركزها الرئيسي إلى مطار دنقلا، فإن حركة البضائع والركاب من ولايات الشمال ستتحسن، وسيسهم ذلك في دعم التجارة الزراعية والتعدينية، بينما لو اختارت بدر للطيران مطار كسلا، فستتمكن من فتح خطوط جديدة إلى القرن الأفريقي بتكاليف أقل وفعالية أعلى.
خاتمة: نهضة تبدأ من المطار
إعادة تأهيل وتشغيل المطارات الإقليمية ليست مجرد مسألة بنية تحتية، بل هي خيار استراتيجي لإعادة توزيع فرص الحياة في السودان. حين ينطلق الطيران من كل الأقاليم وإليها، تنبض البلاد كلها بالحركة والنمو.
وإذا كان العالم يقيس تطوره بعدد المطارات الفاعلة، فإن السودان اليوم بحاجة لأن ينقل مركز الثقل من الخرطوم إلى الوطن كله.