
الخرطوم : نبض الوطن
كتب:إبراهيم عدلان
(ملاحظات على دراسة المستشار مصعب بشير حول مشروع مطار الخرطوم الدولي الجديد)
تمهيد:
نحن بحاجة إلى مشاريع طموحة تنهض بالبنية التحتية وتواكب تطلعات المستقبل، لكن هذه الطموحات يجب أن تستند إلى تقدير دقيق للواقع، وأن تُبنى على أسس عملية تراعي السياق السياسي والاقتصادي والإداري القائم. ما ورد في دراسة المستشار مصعب بشير، ورغم الجهد الملموس فيه، يبدو بعيد بعض الشئ في مجمله عن الواقع، ويبدو أقرب إلى تصور طموح يصعب تنفيذه في المدى القريب.
أولاً: البيئة العامة غير مهيأة
من الصعب التفكير في مشروع ضخم ومعقد مثل مطار دولي جديد، في وقت لا تزال فيه البلاد تواجه تحديات مؤسسية وإدارية أساسية،لا توجد حتى الآن جهة تنفيذية موحدة تتولى مثل هذا المشروع، ولا وضوح بشأن أدوار الوزارات المعنية أو الجهة المختصة بترخيص وبناء مطارات جديدة.
ثانيًا: التمويل الخارجي رهن الاستقرار
أشارت الدراسة إلى عدة دول ومصادر تمويل، منها قطر وتركيا والصين وبريطانيا، مع الحديث عن شراكات استثمارية وقروض ميسّرة. غير أن جذب تمويل بهذا الحجم يتطلب وضعًا مؤسسيًا واضحًا، ونظامًا ماليًا مستقرًا، وقدرة قانونية وتنظيمية تستوعب التزامات مثل BOT وPPP. في الظروف الحالية، تبقى هذه الترتيبات غير قابلة للتنفيذ العملي.
ثالثًا: غياب البنية التشريعية والتنظيمية
من غير الواقعي تصور تشغيل مطار دولي حديث في ظل غياب قانون طيران محدث، أو وجود هيئة تنظيمية مستقلة تشرف على المشاريع الكبرى، أو حتى وضوح بشأن ملكية الأراضي والمواقع البديلة المقترحة. كما أن أي مشروع بهذا الحجم يفترض أن يسبقه تقييم شامل للأثر البيئي والاجتماعي، وهو ما لم يرد له ذكر في الدراسة.
رابعًا: مبالغات في التقديرات والعوائد
الحديث عن عشرات الآلاف من الوظائف ومئات الملايين من الدولارات كعوائد سنوية لا يستند إلى دراسة اقتصادية دقيقة أو بيانات مرجعية. مثل هذه الأرقام، في الوقت الحالي، تفتقر إلى الواقعية، خاصة في ظل تحديات البنية التحتية والنقل والخدمات اللوجستية، والتي لا تزال بحاجة إلى معالجة شاملة قبل التفكير في مشاريع جديدة.
خامسًا: الحاجة لتحديد الأولويات الفعلية
بدلاً من التفكير في مشروع مطار بديل، قد يكون من الأنسب في هذه المرحلة التركيز على:
• إعادة تأهيل المرافق الجوية القائمة.
• إصلاح المنظومة المؤسسية للطيران المدني.
• دعم المطارات الإقليمية التي تلعب دورًا حيويًا في تقديم الخدمات.
• تطوير خطة استراتيجية متدرجة للتعافي وإعادة التشغيل وفق الواقع.
خاتمة: نحو رؤية واقعية ومسؤولة
ليس في الواقعية ما يقلل من الطموح، بل فيها ما يعزز فرص النجاح. فالوطن اليوم بحاجة ماسة إلى مرافق خدمية أساسية، وبنية تحتية فاعلة، ومشروعات تلامس احتياجات الناس اليومية في النقل، والصحة، والتعليم، والطاقة،وفي ظل الموارد المحدودة والتحديات المؤسسية، يصبح التفكير وفق الإمكانيات المتاحة هو الخيار الأمثل. التخطيط الذكي لا يعني الاكتفاء بالقليل، بل يعني ترتيب الأولويات، واستثمار الموارد في مواقعها الصحيحة، والعمل بتدرج يضمن استدامة الجهود وفاعليتها.
لا غنى عن الحلم، لكنه لا يجب أن يسبق الواقع أو يغفله. وفي هذه المرحلة، فإن التركيز على الأولويات الأساسية والتعافي المؤسسي هو المسار الأكثر فاعلية لبناء مستقبل آمن للطيران المدني في السودان.