مقالات الرأى

للحقيقة لسان – رحمة عبدالمنعم – «إعلام القشرة »..وفضيحة الدعوة الغائبة

 

متابعات – نبض الوطن – في زحام المهن، تبقى الصحافة حالة خاصة ،هي ليست وظيفة رسمية، ولا سلعة معروضة في السوق، بل مزيج من الموهبة والفطرة والمران والانضباط، ولأنها بلا أسوار ولا شروط دخول، دخلها كل من هبّ ودبّ، حتى صارت في بعض أركانها “لامة المتردية والنطيحة”، يتزاحم فيها أصحاب الشغف الحقيقي مع طوابير المتسلقين الباحثين عن “القشرة” و”الفشخرة”.

زيارة رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس إلى القاهرة كانت فرصة ثمينة لتأكيد مكانة السودان في المشهد الإقليمي، خاصة أن مصر – بما لها من وزن إفريقي – كانت من أوائل الداعمين للحكومة المدنية الجديدة التي اعترف بها العالم، لكن، ويا للعجب، بعض من يزعمون أنهم “إعلاميون” لم يروا في الحدث سوى أن أسماءهم لم تُدرج في قائمة المدعوين للمؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء في منزل السفير بالمعادي.

يا سادة، رئيس الوزراء جاء حاملاً بشريات: تسهيلات في التأشيرات، حلول لأزمة الطلاب السودانيين، إنهاء ملف الموقوفين، 500 بص للعودة الطوعية، تفاهمات كهربائية، خطط إعمار، ووعود بعودة الحياة إلى الخرطوم، لكنه بالنسبة للبعض، لم يفعل شيئاً، لأن أهم “إنجاز” عندهم هو أن تتسع قاعة المؤتمر لمقعدهم الفارغ.

هذا النوع من الصحفيين – أو المتصحفين – ليس معنياً بالملفات الكبرى ولا بالقضايا المصيرية، جل همّه أن يكون في الصورة، حتى لو كان يجهل كيف يكتب خبراً، أو يفتقد لأبسط قواعد التحرير، يخرج من المؤتمر وفي جيبه صور “سيلفي” أكثر من الملاحظات الصحفية، ثم ينشر على منصاته ما يلفحه من أخبار الآخرين، مزيناً إياه ببعض التعليقات الركيكة.

ولأن الصحافة مهنة “الوجه المكشوف”، فإن أخطر ما يفعله هؤلاء هو التلويث الصامت: يرسّخون فكرة أن العمل الإعلامي مجرد بطاقات دعوة وحضور مناسبات، لا تعب ولا مهنية ولا التزام، وإذا لم يُدعَ أحدهم، تحولت المناسبة في ذهنه إلى “فشل ذريع” حتى لو كانت على أرض الواقع نجاحاً مشهوداً.

الحقد في الوسط الصحفي قديم، لكنه في زمن الحرب صار أكثر حدة، من الطبيعي أن نختلف في تقييم الأداء الحكومي، لكن أن يصبح المعيار هو “من حضر ومن غاب”، فهذه كارثة أخلاقية قبل أن تكون مهنية، الحاقد هنا لا يهاجم لأن الحكومة قصرت، بل لأن الضوء لم يسقط على صورته.

الطريف أن بعض هؤلاء يفاخر بربطة عنقه اللامعة أكثر مما يفاخر بنص كتبه أو تحقيق أنجزه، وإذا جلست معه لتسأله عن تفاصيل الملفات التي تناولها المؤتمر، وجدت أنه لا يعرف الفرق بين الربط الكهربائي وخطوط الضغط العالي، ولا بين العودة الطوعية وإجراءات الإقامة، لكنه يحفظ عن ظهر قلب أين كان يقف المصور لحظة التقاط الصورة الجماعية.

نجاح زيارة رئيس الوزراء لمصر ليس موضوعاً قابلاً للمساومة؛ هي حققت ما يمكن تحقيقه في ظل الظروف المعقدة، وفتحت أبواباً للتعاون، وقدمت حلولاً عملية لمشاكل عالقة، لكن النجاح الحقيقي أيضاً هو أن يدرك القارئ أن “إعلام القشرة” لا يمثل الصحافة، تماماً كما أن المتفرج لا يمثل الفريق في الملعب.

فليسمعها جيداً كل من يظن أن الصحافة بطاقة دعوة أو دعسة على السجادة الحمراء: المهنة ليست ملك أبيك ولا إرث عائلتك، وهي أكبر من ربطة عنقك ومن صورك التي تتسول بها الإعجابات، الصحافة شرف ومسؤولية، لا مسرح للغناء على أنغام النرجسية..ورئيس الوزراء لم يأتِ إلى القاهرة ليصوّرك، بل ليحمل قضايا وطنك ويفتح لها الأبواب المغلقة،فإن كان غيابك عن القاعة أهم عندك من حضور السودان في المحافل، فمكانك ليس بين الصفوف الأمامية، بل في الصف الأخير… هناك حيث يليق الضجيج الفارغ.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى