
بقلم : رشان اوشي
الرئيس الإريتري “أسياس أفورقي” أحد أكثر القادة قدرة على قراءة المعادلات العميقة للقرن الإفريقي. فالرجل، الذي قاوم في بداياته كل أشكال الهيمنة الامبريالية ، عاد اليوم ليواجه موجة جديدة من الاستعمار الحديث الذي يتسلل عبر الموانئ والذهب وتمويل الفوضى.
وقد شكلت مواقفه رفضاً صريحاً لأي محاولة لانتزاع القرار الوطني من دول الإقليم، سواء عبر إشعال بؤر النزاع أو عبر تقديم الإغراءات التي تُخفي أطماع السيطرة على السواحل الاستراتيجية.
وفي لحظة بالغة الحساسية في تاريخ السودان، برز “أفورقي” كأحد الزعماء القلائل الذين دافعوا عن ضرورة بقاء الدولة السودانية موحدة ومتماسكة، مدركاً أن تفكك السودان يعني اهتزازاً بنيوياً في كامل الإقليم. لم يتعامل مع الأزمة بمنهج الاصطفاف، بل برؤية رجل يؤمن بأن الخراب إذا تمدد في السودان، فلن تقف نيرانه عند حدود إريتريا.
وبرز دوره كـ “حارس توازن إقليمي” يسعى إلى منع انزلاق المنطقة إلى صراع بلا مركز، وإلى دعم الحلول التي تعيد إنتاج الدولة السودانية بوصفها محوراً لاستقرار البحر الأحمر.
زيارة أفورقي الأخيرة ولقاءاته بالقيادة السودانية لم تكن زيارة بروتوكولية؛ بل كانت تعبيراً عن قناعة راسخة بأن المصير مشترك، وأن على دول القرن الإفريقي أن تعيد بناء فضائها الأمني بعيداً عن التدخلات الطامعة. بدا الرجل كما لو أنه يستدعي خبرته الطويلة ليقول إن السيادة لا تُستبدل بامتيازات اقتصادية عابرة، وإن مستقبل شرق إفريقيا لا يُكتب بغير الإرادة الحرة لشعوبها.
بهذه الرؤية، يظل أفورقي واحداً من القلائل الذين يحاولون إعادة ترميم الوعي الجيوسياسي للمنطقة، وتحصينها من موجات التفكيك، ووضع السودان بكل جراحه في مكانه الطبيعي: دولة مركزية لا يمكن للإقليم أن يستقر بدونها.
محبتي واحترامي









