مقالات الرأى

الدبلوماسية تهرب بينما السعودية تثبت في السودان

متابعة : نبض الوطن
بقلم: عوض الله نواي
مدير وكالة One Press للتحقيقات الصحفية والإعلام

بينما سارعت سفارات عديدة إلى إصدار بيانات تحذيرية، تحثّ رعاياها على مغادرة السودان فورًا، وتبادر بإغلاق مكاتبها وانسحاب طواقمها من البلاد، بدا المشهد وكأنّه انسحاب جماعي للدبلوماسية في لحظة كان السودان أحوج ما يكون فيها إلى حضورهم. لكنّ الاستثناء البارز وسط هذا الغياب الجماعي، جاء من المملكة العربية السعودية التي أثبتت أن العلاقات لا تُقاس فقط بدرجات الحرارة السياسية، بل بدرجة الوفاء والالتزام الأخلاقي.

السفير السعودي علي بن حسن جعفر لم يكن مجرّد ممثل دبلوماسي لبلاده، بل بدا كصوت عقل وسط الضجيج، وكموقف أخلاقي في زمن التراجع. بادر السفير إلى فتح مكاتب السفارة السعودية من قلب ولاية الخرطوم، رغم أن الحرب لا تزال مشتعلة، في خطوةٍ رمزية بقدر ما هي سياسية، أراد بها أن يعلن ـ من خلال رفع العلم السعودي ـ أن العلاقة مع السودان ليست علاقة مصالح ظرفية، بل صداقة ثابتة لا تتبدل بتبدل الرياح.

ولم يكتفِ السفير السعودي بمجرد التمثيل الرسمي، بل مضى إلى صناعة الأمل من ركام الحرب. ففي الخرطوم، العاصمة التي كانت بالأمس مسرحًا للقتال، استضاف بن جعفر في منزله عددًا من سفراء الدول المؤثرة ـ من قطر وتركيا وإيران وروسيا والصين والكويت والمغرب ـ إلى جانب ممثلين من الخارجية السودانية وشخصيات عامة، في اجتماع غير بروتوكولي حمل دلالات عميقة، وكان أقرب إلى ابتدار مبادرة عربية وإقليمية لإعادة ما دمرته الحرب، وإسناد أهل السودان في محنتهم.

إنّ هذه الخطوات، وإن بدت بسيطة في ظاهرها، تحمل بين طياتها دلالات كبرى؛ فبينما تتراجع بعض القوى الدولية عن أدوارها وتنسحب بحذر، تندفع المملكة العربية السعودية بثقةٍ ومسؤولية، مؤكدة أن ثوابتها الإقليمية لا تحكمها فقط المصالح، بل الأخلاق والروابط التاريخية.

وفي الوقت الذي يحاول فيه بعض الفاعلين الدوليين تدويل الأزمة السودانية دون تقديم حلول واقعية، تتحرك السعودية بمنطق الشقيق الحريص، لا المتفرج البعيد. وقد ظل هذا النهج حاضرًا منذ بداية الأزمة، وها هو يتجدّد اليوم من قلب الخرطوم، كمحاولة صادقة لرأب الصدع، وبناء مستقبل جديد على أنقاض الدمار.

إن ما تقوم به المملكة اليوم يجب أن يُقرأ ليس فقط كتحرك سياسي، بل كدرس في الدبلوماسية الأخلاقية، في زمنٍ عزّت فيه المواقف الصادقة. وهي رسالة بأنّ من يحمل نوايا الخير لا ينتظر الظروف المثالية، بل يصنع من بين الركام مساحةً للأمل، ومن بين الألم فرصةً للإنقاذ.

المملكة لم تغب عن السودان، ولن تغيب.
وإذا كانت الحرب قد بدّلت خريطة التحالفات، فإن الوفاء السعودي يثبت أن هناك من لا ينسى من وقف معه يوماً ما، ولا يتأخر عن مناداة الواجب ساعة الخطر.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى