اخبار السودان

معلومة تهمك : حقوق المسافرين في مجال النقل الجوي بالسودان

متابعات : نبض الوطن

كتب سامي محمد الأمين

يُعد قطاع النقل الجوي شريانًا حيويًا للاقتصاد العالمي ومحركًا أساسيًا للتنمية والسياحة والتبادل الثقافي. ومع تزايد حركة المسافرين يومًا بعد يوم، تتعاظم الحاجة إلى إطار قانوني متكامل يضمن حماية الحقوق الأساسية للمسافرين وصون كرامتهم،
وتعزيز ثقتهم في السفر بالطائرات.
وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى تقييم واقع حماية المسافرين في السودان، ومقارنة ذلك بالتجارب الدولية والإقليمية، لا سيما:
1.اتفاقية مونتريال 1999،
2.اللائحة الأوروبية EC 261/2004،
3.اللائحة التنفيذية السعودية لحقوق المسافر.

ويهدف هذا المقال إلى تعزيز المقترحات القائمة من خلال تقديم رؤية ومقترحات لتطوير تشريعات حماية المسافرين في السودان، والانتقال من الالتزامات العامة إلى تشريعات وطنية قابلة للنفاذ.
أولًا: الإطار القانوني الدولي والإقليمي
1. اتفاقية مونتريال 1999
تُعد اتفاقية مونتريال تحديثًا لاتفاقية وارسو لعام 1929، وتهدف إلى توحيد قواعد النقل الجوي الدولي، حيث تنص على:
1.مسؤولية الناقل عن الوفاة أو الإصابة حتى 128,821 وحدة حقوق سحب خاصة (نحو 175,000 دولار أمريكي).
2.تعويض الأمتعة حتى 1,288 وحدة (نحو 1,750 دولار أمريكي).
3.تعويض التأخير حتى 4,694 وحدة حقوق سحب خاصة (SDRs) لكل راكب، وتم تعديلها لاحقًا إلى 5,346 SDRs بقرار من منظمة الإيكاو، أي ما يعادل تقريبًا 7,000–7,500 دولار أمريكي.ومن المهم هنا أن يُفهم أن الاتفاقية لا تُلزم بتعويض فوري، بل تُشترط إثبات وجود ضرر فعلي ناتج عن التأخير. وفي المحاكم، يجب على المسافر إثبات:
1. حدوث تأخير حقيقي.
2. وقوع ضرر مالي أو معنوي مباشر.
3. أن الضرر ناتج عن إخلال الناقل بواجباته (وليس بسبب قوة قاهرة).
كما توفر الاتفاقية عدة خيارات للتقاضي، حيث يمكن رفع الدعوى في بلد الإقامة أو الوصول النهائي أو مقر شركة الطيران.
ورغم أهمية الاتفاقية، إلا أنها تضع سقوفًا للتعويض دون تحديد دقيق للرعاية أو آليات الشكاوى أو تعويضات تأخير الصعود أو منع الاركاب وتغيير الوجهات وسوء الخدمة وغيرها.
2. لائحة حماية المستهلك الأوروبية EC 261/2004
تُعد من التجارب الرائدة والقوية لحماية المسافرين، حيث تُطبق على الرحلات من وإلى الاتحاد الأوروبي، وتتميز بتغطية الجوانب الآتية:
1.رفض الإركاب: تعويض يصل إلى 600 يورو، وخيارات لإعادة التوجيه أو استرداد القيمة.
2.إلغاء الرحلات: تعويض مماثل في حال عدم الإبلاغ المسبق أو غياب ظروف استثنائية.

التأخير: ثلاث ساعات أو أكثر = تعويض تلقائي.
الرعاية: وجبات، إقامة، مواصلات، واتصالات مجانية.
وتُعد هذه اللائحة من أقوى أنظمة حماية المسافرين في العالم. بالاضافة الي مسائل تخفيض الدرجة ومنع الاركاب
3. اللائحة التنفيذية السعودية لحقوق المسافر
تمثل نموذجًا إقليميًا ناضجًا، وتغطي:
1.الإلغاء والرفض والتأخير: تعويضات واضحة، وخدمات بديلة، والتزام بتوفير الرعاية.
2.حماية ذوي الاحتياجات الخاصة مع أولوية في الخدمة وتعويض في حال الإخلال.
3.آلية الشكاوى: نظام رقابي تابع لهيئة الطيران المدني.

ثانيًا: الوضع الراهن في السودان

رغم وجود قانوني سلطة الطيران المدني لسنة 2018 وقانون سلامة الطيران المدني لسنة 2010، إلا أن:
القانون الأول يركّز على اختصاصات السلطة وصلاحيات مجلس الإدارة والمدير العام والمسائل المالية والموازنة وغيرها.
أما قانون السلامة، فيركز على الجوانب الفنية مثل السلامة، التراخيص، والتحقيقات. لكن كلا القانونين لا يتضمنان نصوصًا مباشرة لحماية المستهلك الجوي، ولا توجد لائحة تفصيلية مشابهة لما هو معمول به في الاتحاد الأوروبي أو السعودية، ولا تسندهما منظومة شكاوى فاعلة، بآلية وإجراءات ملزمة وواضحة ومنشورة للتعويض، مما يُضعف قدرة المسافر على المطالبة بحقوقه.

ثالثًا: لماذا يجب استكمال الإطار القانوني؟

1. تعزيز الأمان والثقة فوجود لائحة واضحة لحماية الحقوق يمنح المسافرين إحساسًا بالأمان ويشجع على استخدام النقل الجوي داخل السودان وخارجه.
2. الامتثال والمعايير الدولية
تطوير إطار وطني متكامل يُسهل اندماج السودان في نظام النقل الجوي العالمي، ويعزز التعاون الدولي، خاصة في سياق اتفاقات المشاركة بالرمز للشركات الوطنيه .
3. حماية المواطنين السودانيين حيث يصبح وجود تشريع لحماية المستهلك ضرورة لاغني عنها.
4. تعزيز المنافسة العادلة
وجود إطار قانوني موحد يُعزز المنافسة النزيهة ويمنع الممارسات غير المنصفة، ويحث الشركات على تحسين خدماتها باستمرار.

رابعًا: ما المطلوب؟

إن استكمال الإطار القانوني لحماية المسافرين في السودان يُمثل خطوة ضرورية لإعادة تحسين صورته داخليًا ودوليًا. ويمكن أن يكون للسودان، إذا تبنى نموذجًا تشريعيًا متقدمًا، دور ريادي في إفريقيا والمنطقة في حماية المسافرين وتعزيز ثقة السوق، وذلك من خلال:

تطوير اللوائح الوطنية الموجودة، مع الالتزام بـ:
1.الشفافية في عرض الأسعار وشروط الخدمة.
2.تقديم الرعاية والتعويض في حال التأخير أو الإلغاء أو رفض الإركاب او تخفيض الدرجة .
3.وضع آلية شكاوى واضحة وسريعة الفصل في النزاعات، تسندها مواد قانونية قابلة للنفاذ.
4.النص صراحة على حماية ذوي الإعاقة وكبار السن والمرافقين لهم.
5.التدرج في تحديد سقوف التعويض بما يراعي واقع صناعة الطيران المدني في السودان، في ظل الحظر وارتفاع كلفة التأمين وتداعيات الحرب.
6.إن من الضروري بمكان انشاء إدارة مستقلة لحقوق المسافرين، أو قسم كبير داخل سلطة الطيران المدني، يتم تمكينه بموارد وصلاحيات كافية لمتابعة الشكاوى والتحقيق في الانتهاكات مع تفعيل نظام الشكاوى الإلكتروني، بما يُمكّن المسافر من تقديم شكواه وتتبعها، مع تحديد مدد زمنية واضحة للفصل فيها وتقوم الادارة بتمثيل السلطة في تبني حملات توعوية وطنية لتثقيف المسافرين بحقوقهم عبر المطارات وشركات الطيران والمواقع الإلكترونية مع تدريب العاملين في قطاع الطيران على قواعد حقوق المستهلك، والسلوك المهني، والتعامل مع الحالات الخاصة.
ختاما إن بناء منظومة متكاملة لحماية حقوق المسافرين في السودان لم يعد خيارًا تنظيميًا، بل واجب أخلاقي يرتبط بكرامة المواطن ومن هنا، فإن إكمال هذا الإطار القانوني ليس فقط خطوة نحو لمواكبة التشريعات الدولية ، بوابة لاستعادة الثقة، في ملحمة اعادة الاعمار القادمة

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى