اخبار السودان

كامل إدريس في المعادي… حديث الملفات الكبرى ودفء التحية العابرة

رحمة عبدالمنعم

 

في مساءٍ قاهريّ دافئ، حين تبدأ أضواء حي المعادي في الانعكاس على صفحة النيل، وتخفّ ضوضاء النهار شيئاً فشيئاً، كانت الدعوة إلى منزل سفير السودان بالقاهرة الفريق أول ركن عماد الدين عدوي تحمل في طياتها أكثر من لقاء بروتوكولي، كانت مناسبة لاستدعاء معاني القرب بين القيادة ومن يحملون أقلام الرأي، وللاختبار الصعب الذي يواجهه أي مسؤول حين يجلس أمام صحفيين يبحثون عن إجابات لا عن شعارات.

حرصتُ على تلبية الدعوة مساء أمس الخميس، حيث التأم المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس بحضور لافت لقيادات إعلامية بارزة، لم يكن اللقاء استعراضاً بلاغياً، بل مساحة لتبادل الأسئلة والأجوبة في وقت ضيق وأجندة مزدحمة، ومع ذلك أصر كامل على الإصغاء لكل سؤال والرد بما يراه إجابة شافية، بدا كامل في حضوره خطيباً مفوهاً، يتحدث بثقة واتزان رغم الظروف الصعبة التي تحيط به، وقد عبّر عنها بأسى يشي بمدى إدراكه لحجم التحديات، دون أن يتخلى عن نبرة الإصرار على المضي قدماً.

أدار الجلسة الحبيب الأستاذ محمد عبدالقادر، ذلك الإعلامي الذي له سهم مشهود في معركة “الكرامة” الإعلامية، وصوت يعرفه الوسط الصحفي ويثق فيه،وقد بدا واضحاً أن مثل هذه الكفاءة لو وُضعت في موقع إعلامي قريب لرئيس الوزراء، لكان إضافة حقيقية، ليس فقط للجانب الإعلامي، بل لجسر التواصل مع الرأي العام، لما يملكه من قبول واسع وتاريخ مهني نظيف.

أما محتوى المؤتمر، فجاء محملاً برسائل عملية: إدريس وصف زيارته لمصر بـ”الناجحة بكل المقاييس”، مشيراً إلى تفاهمات لتسهيل التأشيرات، ومعالجات لقضايا الطلاب، وحلاً لمشكلة المواطنين الموقوفين في السجون المصرية لأسباب هجرية عبر إعادتهم للسودان ،كما أعلن عن تسيير 500 بص للراغبين في العودة الطوعية، وتسهيلات على مستوى المعابر والربط الكهربائي، موضحاً أن ديون هذا الربط تبلغ 110 ملايين دولار، وأن خطة إعادة الإعمار باتت أولوية قصوى.

على الصعيد الداخلي، تحدث عن نجاح الموسم الزراعي وتوفير احتياجات المزارعين، وزيارة مرتقبة لمشروع الجزيرة، وعن حجم الدمار الذي طال مصفاة الجيلي بتكلفة صيانة تبلغ مليار ومائتي مليون دولار، بعد تخريبها من مليشيا الدعم السريع، وأكد أن الأوضاع في مدينة أم درمان تسير بصورة ممتازة وأنها “أكثر إضاءة من باريس”، وأن الحياة في بحري تمضي بنسبة 80%، بينما تحتاج الخرطوم ووسطها وشارع النيل إلى إعادة تخطيط شامل، كما أعلن أن الرحلات الجوية الدولية ستعود إلى مطار الخرطوم خلال شهرين، وأن الحكومة ستعيد كل مؤسساتها من بورتسودان إلى العاصمة، حيث باشرت وزارات الدفاع والداخلية والصحة أعمالها بالفعل من الخرطوم.

خلال اللقاء، لم يخف كامل تقديره لدور الصحافة، وأكد أن ما ينتظر الإعلام كثير، وأن المرحلة الراهنة تحتاج من الأقلام الجادة أن تطرق على القضايا المهمة بلا تردد، معتبراً أن الصحافة شريك رئيسي في معركة البناء وإعادة الثقة، وقد جاءت هذه الكلمات في أجواء من الأريحية بدت على كامل وهو يتحدث مع الحضور، متنقلاً بين الإجابات الرسمية والنقاشات الجانبية التي أضفت دفئاً إنسانياً على الجلسة.

وبعد انتهاء المؤتمر، تحرك موكب رئيس الوزراء وتوقف أمام مقهى “حديث المدينة” بحي المهندسين لتحية مجموعة من السودانيين المتواجدين هناك، في لفتة إنسانية قصيرة لكنها عميقة المعنى، إذ مدت جسراً من الدفء بين دولة رئيس الوزراء وأبناء وطنه،هذا المشهد الذي التقطته العيون قبل الكاميرات، أراد البعض أن يحوّله إلى مادة انتقاد فارغة، وكأن التحية لبضعة مواطنين جريمة بروتوكولية،والحقيقة أن ما حدث كان أصدق من مئات الخطب المعدة سلفاً، لأنه تواصل بشري خالص لا تصنعه اللجان ولا تُخطط له الأوراق الرسمية.

كامل إدريس لا يزال في القاهرة، مستكملاً برنامجاً حافلاً بلقاءات وملفات، لكن الأهم أن حضوره في هذا المؤتمر ترك انطباعاً بأن التواصل المباشر مع الإعلام، وإعطاء الكلمة حقها، ليس ترفاً، بل ضرورة في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه التحديات.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى