مقالات الرأى

“الغربة تخنق الصحفيين.. والمؤسسات تغطي الصمت بالمجد الوهمي”

 

بقلم : لمياء صلاح

رافقتني زميلتي في زيارة لزميلنا الصحفي لأداء واجب اجتماعي ونمثل مهنة جمعتنا قبل أن تفرقنا حدود المنافي. لم تكن مجرد زيارة عابرة، بل اصطدامًا مباشرًا مع حقيقة مرّة. كنا نظن أننا سنمسح دمعة حزن على فقيد عزيز، لكننا اكتشفنا أن دموع الغربة أعمق وأثقل من دموع الفقد.

كثيرون يظنون أن الصحفيين الذين غادروا السودان بحثًا عن الأمان أو لقمة العيش يعيشون أفضل حالًا من زملائهم في الداخل. لكن ما رأيناه بأعيننا كان الحقيقة الصادمة: الاغتراب أحيانًا أشد قسوة من الحرب، والوحدة أكثر وطأة من الحصار.

جلسنا أمامه نستمع، وكانت كلماته مزيجًا من الأسى والمرارة، تتسلل من بين شفتيه بابتسامة شاحبة تحاول أن تتقنّع بالقوة. لم يكن الحزن على فقيده وحده ما يثقل قلبه، بل أيام الغربة التي تسلبه دفء الوطن، وتتركه بلا سند ولا مظلة مهنية أو إنسانية تحميه.

وهنا يطل السؤال الذي يجب أن يوجَّه بلا مجاملة:
أين أنتم يا من تتزينون بشعارات “حماية الصحفي” و”الدفاع عن المهنة”؟
أين الاتحاد؟ أين الجمعيات؟ أين المؤسسات التي تملأ صفحاتها وبياناتها بأناشيد التضامن بينما تتعامى عن زملاء يتساقطون تحت ضربات العوز والعزلة؟

إن دعم الصحفيين في الخارج ليس ترفًا، وليس مكرمة، بل هو واجب . هؤلاء ليسوا أرقامًا على قوائم الأعضاء، إنهم لحم ودم وقلم. هم سفراء الكلمة الحرة حتى وهم على بعد آلاف الأميال، وتركهم يواجهون مصيرهم وحدهم هو خيانة صريحة لروح المهنة.

ليتني كنت المسؤول، لمددت شبكات الأمان قبل أن يمدوا أيديهم طلبًا للعون، ولجمعت الشتات وربطت أوصال المهنة بخيوط التضامن الصادق، ولما تركت زميلًا يقف على حافة السقوط بلا سند. ليتني كنت المسؤول .

لكنني اليوم لا أملك إلا الكلمة، وسأجعلها سلاحًا وصرخة في وجه الصمت. علّها تصل إلى من بيدهم القرار قبل أن يبتلع المنفى ما تبقى من عزائم إخوتنا. فالمهنة التي لا تحمي أبناءها، تفقد حقها في الادعاء بأنها صوت الحق

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى