
رشان اوشي
السودانيون ينتظرون أن تشرق الشمس وينتهي هذا الليل الحالك الطويل، وأفظع حرب في تاريخ حروب السودان. وأمام هذا الأمل القريب البعيد، تقف تحديات كثيرة.
بدءاً، لم يترك خطاب قادة “الدعم السريع” الذي يتوعد المجتمعات بالتنكيل سبيلًا للتسامح. فقد اعتبرت تلك المجتمعات أن هذا الخطاب إعلان نوايا خطير، يكشف كيف تحوّل السلاح إلى أداة انتقام عرقي، وكيف يُستثمر الدم لتوسيع رقعة الكراهية. إن هذا الخطاب يضع السلام في مواجهة مباشرة مع فكرة الانتقام، ويعيدنا إلى مربع الانقسام الجهوي الذي كان سبباً في معظم مآسي السودان الحديثة.
الأمر الآخر هو عدم الاعتراف الشعبي بالوساطة الدولية، إذ لم تنشأ “اللجنة الرباعية الدولية” بقرار من الأمم المتحدة ولا بمرجعية قانونية أو تفويض أممي، بل فرضت نفسها على الأزمة السودانية دون شرعية أو تفويض، لتتحوّل من مراقبٍ مزعوم إلى لاعبٍ في إشعال الحرب.
لقد دفعت من قبل باتجاه “الاتفاق الإطاري” حتى انفجر المشهد، ومهّدت الطريق لحرب دمّرت المدن ومزّقت النسيج الوطني، فتحوّل السودان إلى رماد.
واليوم تعود الرباعية لتتحدث عن “السلام”، في مشهدٍ من الانتهازية السياسية التي تجرّد المعاناة من معناها، محاولةً جمع السودانيين ومليشيا آل دقلو على طاولة واحدة، وكأن الدم قابل للتفاوض.
إنّ وجود “الإمارات” ضمن الوساطة مرفوض من كل من يعرف معنى الكرامة والسيادة، فمن موّل البنادق لا يمكن أن يقدّم غصن الزيتون، ومن أشعل النار لا يُطفئها. والسلام لا يُصنع بأيدي من أشعلوا الحرب.
قريبًا، ستجد “اللجنة الرباعية” نفسها في مواجهة الرفض الجماهيري لوجود “الإمارات”، فكيف تُمنح صفة “الوسيط” لدولة قدّم السودان ضدها شكوى رسمية بتهمة دعمها لمليشيا “الدعم السريع”؟
وكيف نُقنع الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن بأن اليد التي موّلت الرصاص ستمنح السلام؟.
إنّ ما يجري ليس سوى إعادة تدويرٍ للأدوار القديمة، يُراد بها أن يبقى السودان رهينةً لدوائر الضغط والمصالح الإقليمية، بينما الحقيقة البسيطة تقول إنّ السودانيين وحدهم من يملكون حق رسم مستقبلهم، وهم وحدهم القادرون على تضميد جراحهم.
الشعب السوداني، الذي خبر الخيبات ووقف شامخاً بعد كل عثرة، يعرف أن السلام لا يُشترى ولا يُمنح، بل يُبنى من الداخل، من تراب الأرض ومن صدور المقاتلين الذين دافعوا عن كرامة البلاد.
ومن يملك ذاكرة الدم لا ينسى، ومن عاش الحرب يعرف أن الطريق إلى السلام لا يمر عبر من موّل البنادق.
محبتي واحترامي.
https://www.facebook.com/share/p/16Q48me3sc/