
كانت الفاشر خلف تلك السيدة تشتعل بذكريات لا تنطفئ،ورائحة التراب المبتل بالدم ما زالت في أنفاسها.
وحين اقترب منها الرئيس عبد الفتاح البرهان، لم تكن تنظر إلى وجهه، بل إلى يده الممتدة؛ يد تشبه ظل البلاد حين يحاول أن يضم أبناءه الهائمين في الأصقاع.
في تلك اللحظة القصيرة، سقطت المسافات بين القائد والمواطنة،كأن العناق اختصر التاريخ كله.حروب،وعود وانكسارات، وسنوات طويلة من الانتظار.
المرأة التي نجت من المجزرة لم تبك،ربما لأن الدموع فقدت معناها،لكنها استسلمت لذلك الصمت العميق الذي لا يحدث إلا حين تلتقي الأرواح المتعبة.
أما الرئيس “البرهان”، فكان كمن يحمل أوزار أمة بأكملها على كتفيه،ينظر إلى المدى البعيد، حيث تنتظر البلاد خلاصها.
لم يكن الطريق أمامه مفروشاً باليقين،في كل منعطف كان هناك امتحان جديد؛ضغوط خارجية تختبر صلابته،
وحرب تتربص بسكينته وأزمة اقتصادية طحنت ما تبقى من كرامة شعب يئن تحت وطأة التهجير،ومجتمع يبحث عن ذاته بين الحلم والانقسام.
ومع ذلك ظل يمضي بخطى ثابتة، كمن يعرف أن القيادة ليست اندفاعاً نحو الضوء،بل صبر طويل في الظل حتى يتبين الطريق.
لم تكن سهام الحرب الإعلامية أقل وطأة من صخب الميدان؛محاولات مستمرة لسرقة ملامح الصبر من وجهه وتشكيك في عزيمته،غير أن صمته كان أبلغ من رد، وسعة صدره أكبر من الجرح.
كان يدرك أن من يختار أن يقود، عليه أن يتحمل ضجيج الجموع وأن الكاريزما الحقيقية لا تصنع في الصور، بل في القدرة على الثبات حين ينهار كل شيء من حوله.
ذلك العناق بين الرئيس والمواطنة، لم يكن مجرد مشهد عابر في زمن الحرب،بل بياناً غير مكتوب عن وطن يرفض أن يختزل في خرائط وولاءات،وما زال، رغم كل شيء، يملك قلباً واسعاً بما يكفي ليضم أبناءه جميعاً.
هناك، بين الرماد والنجاة، ولدت لحظة صغيرة من النور،
كأن البلاد بأكملها وضعت رأسها أخيراً على كتف آمن،
لتستريح قليلاً من تعب التاريخ.
محبتي واحترامي.






