في الوقت الذي يشتد فيه الصراع بالسودان بين الجيش وميليشيا الدعم السريع، كانت مدينة الجنينة واحدة من أهم المدن، التي تعتبر شاهدة على ويلات الصراع، حيث شهدت خلال الفترة الماضية مجزرتين خلفت ما يقرب من 10 آلاف قتيل، وتحولت أرضها إلى مقابر جماعية ومبانٍ مهجورة يقطنها الفارون من القتال.
وتقع مدينة الجنينة في أقصى غرب السودان، على ارتفاع 800 متر فوق سطح البحر، وتبعد عن الخرطوم العاصمة حوالي 1200 كيلومتر، وهي مركز تجاري ومعبر حدودي نحو تشاد، وسائر بلدان غرب إفريقيا، حيث تبعد عن الحدود التشادية حوالي 27 كيلومترًا فقط.
حصار وسقوط
ولمدة شهرين من منتصف أبريل الماضي، ثم مرة أخرى لمدة أسبوع في أوائل نوفمبر، عانت جنينة من القتال الذي تطور بسرعة على طول حدودها، وفرضت ميليشيا الدعم السريع، بحسب الجارديان البريطانية، حصارًا مميتًا على المدينة، الأمر الذي أدى في النهاية لانسحاب قوات الجيش منها، وفي الأشهر التالية بدأت تفاصيل الانتهاكات المروعة التي ارتكبتها القوات بالظهور.
ولقي أكثر من 10,000 شخص حتفهم في المدينة، معظمهم من سكان منطقة المساليت، وفر آلاف آخرون غربًا عبر الحدود إلى تشاد، واكتشف تحقيق للأمم المتحدة مقبرة جماعية لعشرات المدنيين بالقرب من الجنينة، يُزعم أنهم قُتلوا جميعًا على يد الدعم السريع في الفترة ما بين 13 و21 يونيو، كما حدثت مذبحة أخرى في نوفمبر على يد ميليشيا الدعم السريع، الذين تجولوا داخل المنازل لقتل المدنيين.
استمرار موجات النزوح وسط القتال العنيف
مقابر جماعية
وبحسب الصحيفة، فقد أصبحت المقابر الجماعية علامة بارزة في المدينة، بجانب المركبات والمدرعات المهجورة، كما انتشرت الجثث المتحللة في الشوارع لمدد تصل إلى 10 أيام، كما أصبحت بعض المناطق في وسط المدينة مهجورة بالكامل، بينما تجمع النازحون بسبب القتال في المباني الحكومية المدمرة، والتي تحمل علامات الاحتراق وثقوب الرصاص في جميع جدرانها نتيجة الصراع.
ورغم عودة الحياة غير المستقرة إلى المدينة، إلا أن السمة الأساسية هي انتشار الأطفال المشردين في الشوارع، حيث أكدت وحدة حماية الطفل التابعة لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في دارفور، إن معظمهم إما أيتام فقدوا آباءهم العام الماضي، أو أطفال عائلات فرت عبر تشاد لكنهم عادوا دون آبائهم بسبب الوضع “الرهيب”.
تهديدات مستمرة
ومع استمرار الصراع القائم بدون رؤية واضحة لإنهائه، تعتبر التهديدات الجوية هي السمة السائدة في المنطقة المنكوبة، حيث يعمل الجيش على مواصلة قصف الأراضي التي تسيطر عليها ميليشيا الدعم السريع، ما يدفع باستمرار موجات النزوح بين الحين والآخر.
وانطلقت الاشتباكات بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، وبين ميليشيات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو الشهير بـ “حميدتي”، في 15 أبريل 2023، واقتصرت الاشتباكات في البداية عند العاصمة الخرطوم، إلا أنها سرعان ما تفشت في المدن والبلدات الأخرى بالولايات المختلفة؛ وهو ما أدى إلى قتل المدنيين، ونزوح الملايين، الذين أصبح عددهم هو الأكبر على مستوى العالم، إلى البلدان المجاورة