نبض السودان

مدي نجاح دعوة بايدن في إنهاء الصراع السوداني المتصاعد

منذ أكثر من عام ونصف، يواجه السودان أحد أخطر وأعقد التحديات في تاريخه الحديث، نتيجة لتفاقم النزاع بين الجيش السوداني الذي يقوده الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع برئاسة محمد حمدان دقلو. وقد أدت هذه الأوضاع إلى اندلاع حرب عنيفة بين الطرفين، أسفرت عن مقتل وإصابة الآلاف، بالإضافة إلى نزوح ملايين المواطنين السودانيين.

حاولت جهات إقليمية ودولية مراراً وتكراراً التدخل لنزع فتيل الأزمة الحالية في السودان وإعادة الحياة إلى طبيعتها، أو على الأقل وقف القتال العنيف بين الأطراف المتنازعة. لكن جميع تلك الجهود لم تثمر عن شيء. ومع ذلك، لم تتوقف هذه المحاولات وما زالت مستمرة بقوة، آملة في الوصول إلى حلول فعّالة تؤدي في النهاية إلى الاستقرار الذي يتطلع إليه السودانيون.

دعوة أميركية جديدة للحوار

آخر الجهود التي بذلت كانت دعوة الرئيس الأميركي جو بايدن للطرفين المتنازعين للعودة إلى طاولة المفاوضات ووقف الأعمال العسكرية بشكل فوري. وأوضح الرئيس بايدن في بيان رسمي أصدره البيت الأبيض: “لقد عانى الشعب السوداني لأكثر من 17 شهرًا بسبب الحرب التي تسببت في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. وقد نزح حوالي 10 ملايين شخص بسبب هذا النزاع”. وأضاف: “أدعو القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى سحب قواتهم وتسهيل الوصول الإنساني دون عوائق، والعودة إلى المفاوضات لإنهاء هذه الحرب. يجب على قوات الدعم السريع وقف هجومها الذي يلحق ضررًا كبيرًا بالمدنيين في السودان”.

وسرعان ما لقيت دعوة الرئيس الأمريكي بايدن استجابة من طرفي النزاع، حيث أعلنا استعدادهما لاستئناف المفاوضات لإنهاء الحرب بينهما. فيما عبّر قائد الجيش عبد الفتاح البرهان عن استعداده للتعاون مع جميع الشركاء الدوليين بهدف الوصول إلى حل سلمي.

أكد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو التزامه بالانخراط في جهود السلام. رغم ذلك، أعربت رئيسة تحرير صحيفة “الأهرام” المصرية المتخصصة في الشأن الإفريقي، أسماء الحسيني، عن عدم تفاؤلها بهذا الترحيب، مشيرة إلى أن كل طرف يسعى لإبراز نفسه كطرف متفاعل، لكن على الأرض، تستمر المعارك العنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، مع عدم اكتراثهم بحياة المدنيين الأبرياء أو بتدهور الأوضاع الإنسانية والصحية والاجتماعية في السودان. وأوضحت أن الجميع لا يزال يتمسك بالمعادلة الصفرية، حيث يسعى كل طرف إلى القضاء على الآخر.

ترى الحسيني أن دعوة بايدن تمثل استمرارًا للجهود الأمريكية التي بدأت بعد اندلاع الحرب في أبريل الماضي، والتي تجسدت في التعاون الأمريكي السعودي فيما يعرف بـ “منبر جدة” الذي انطلق في مايو 2023. لكن هذا المنبر قد فشل بسبب تدخل الأطراف المتصارعة داخل السودان، ولم يكن لديه آليات مناسبة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بخصوص ضرورة وقف إطلاق النار وفتح الممرات الإنسانية وحماية المدنيين.

إشكالية التدخلات الأميركية

من ناحية أخرى، يعتقد السفير عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن التدخلات الأميركية في الأزمة السودانية تواجه تحديات كبيرة، بسبب عدم نجاح مفاوضات جنيف في اتخاذ خطوات حقيقية وفعّالة من أجل إنهاء تدفق الدم في السودان وتخفيف معاناة المواطنين السودانيين. كما أشار إلى أن الولايات المتحدة لم تتمكن من الضغط على طرفي النزاع لتنفيذ مخرجات اتفاق جدة الإنساني.

وفقاً للدبلوماسي المصري، فإن الحسم العسكري غير ممكن لأي من الطرفين على أرض الواقع، وهو ما أثبتته الحرب الحالية التي استمرت لأكثر من 17 شهرًا. وأكد أن الحروب عادةً ما تنتهي من خلال المفاوضات، وأن تنفيذ مخرجات محادثات جدة وجنيف يعد أمرًا في غاية الأهمية. حيث أنه بدون آليات للرقابة وتحديد الطرف المسؤول عن الانتهاكات والفظائع، وبدون فصل بين القوات المتحاربة، ستبقى هذه النتائج مجرد شعارات. لذلك، هناك حاجة إلى إجبار الطرفين على العودة إلى طاولة المفاوضات لإيجاد آليات تسهم في إنقاذ الوضع في السودان، الذي يمثل تهديدًا ليس فقط للسودان، بل لكل دول الجوار.

قالت الخبيرة في الشؤون الإفريقية أسماء الحسيني إن السودان، مثل بقاع أخرى في القارة الإفريقية، أصبح ساحة لصراع دولي وإقليمي. ولم تعد الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة المؤثرة، بل هناك قوى دولية متعددة تسعى للتأثير في هذه الأزمة ولها مصالحها الخاصة. ومع ذلك، فإن المصلحة الكبرى لأميركا تكمن في التنافس الكبير مع القوى الدولية الأخرى، خصوصًا مع روسيا والصين، بالإضافة إلى إيران التي أصبح الجيش السوداني يعتمد عليها للحصول على الدعم في استخدام الطائرات المسيّرة. وتأمل السودان أن تساعده هذه الطائرات في تحويل نتائج الاقتتال لصالحه. وبالتالي، فإن الولايات المتحدة في صراع جيوسياسي مع القوى الأخرى ولديها مصالح عديدة في المنطقة، سواء في القرن الإفريقي أو البحر الأحمر أو المنطقة العربية، ويعتبر السودان محورًا هامًا في كل هذه المناطق وله تأثير كبير على أمنها واستقرارها.

الانتخابات الأميركية والحرب السودانية

أشارت الحسيني إلى أن الولايات المتحدة تحاول خلال هذه الفترة أن تلعب دورًا من المحتمل أن يكون بمثابة انتصار لها في حملة الانتخابات للمرشحة الديمقراطية ضد المرشح الجمهوري، في وقت تواجه فيه عجزاً عن تحقيق مثل هذا الإنجاز في غزّة، بسبب تصلب نتانياهو وحكومة الحرب الإسرائيلية. كما ذكرت أن الوضع في السودان معقد للغاية ويستلزم جهودًا كبيرة ومضنية.

توقعت الحسيني أن تستمر الحرب في السودان في تصاعدها، مما سيؤدي إلى تعقيدات إضافية وخطيرة تظهر يوميًا. وأشارت إلى أن هذه التعقيدات ستؤثر بشكل كبير على السودان والمنطقة ككل، إلى جانب المصالح الدولية، إذا لم تكن هناك تدخلات دولية فعالة وضاغطة على الطرفين لوقف هذه الحرب فورًا والتوصل إلى حلول تفاوضية عاجلة.

تأتي دعوة الرئيس الأمريكي هذه قبل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المقررة الأسبوع المقبل، حيث تسعى إدارة بايدن لتنسيق الجهود لإعادة تنشيط محادثات السلام المتوقفة. وفي هذا السياق، سيعقد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اجتماعًا لوزراء خارجية عدة دول عربية وخليجية وإفريقية في 25 سبتمبر الحالي، بهدف تعزيز الجهود الدولية للتوصل إلى اتفاق سلام بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى