
رحمة عبد المنعم
في زمن الحرب، يعلو صوت المدافع حتى يكاد يحجب عن الناس وقع المعاول التي تبني، وفي السودان الجريح، حيث انكسر العمران وتراجع الأمل، هناك من اختار أن يعمل بصمت، وأن يترك للمشاريع أن تتحدث عنه، هكذا تمضي شركة زادنا العالمية للإستثمار المحدودة، تقود معركة البناء في قلب زمن الحرب، وتثبت أن عمر الوطن يمكن أن يُزاد حتى في أقسى الظروف.
من يعرف الدكتور طه حسين، المدير العام للشركة، يدرك أنه ليس من رجال الأضواء، بل من أولئك الذين يقيسون أثرهم بما يبقى، لا بما يقال، رجل وطني من الطراز النادر، وكفاءة اقتصادية نحتت حضورها في صخر التحديات، في زمن تراجع فيه كل شيء، قرر أن يقود البناء وسط الركام، وأن يجعل من العمل الوطني منهجاً، لا شعاراً.
زادنا اليوم ليست مجرد مؤسسة اقتصادية، بل شبكة حياة تمتد في ولايات السودان المختلفة، فقد وقّعت عقوداً لإنشاء طرق داخلية في ولاية النيل الأبيض، ورمّمت طرقاً في ولاية نهر النيل، وأبرمت عقوداً لتأهيل وبناء مستشفيات جديدة، ورفع مستوى المراكز الصحية في ولاية الجزيرة. وفي الولاية الشمالية، نفذت مشاريع تنموية ملموسة، بينما تواصل في الخرطوم تأهيل مرافق استراتيجية، وتعمل بصمت في ملف إعادة الإعمار، ضمن خطة شاملة تعيد للمؤسسات حيويتها وتربط العاصمة بمحيطها التنموي.
ولم تتوقف، بل مضت نحو مشاريع أكبر: زادي 1، الذي يمتد على مليون فدان للإنتاج الزراعي والحيواني، ويعمل بما بين 1500 و3000 جهاز ري محوري، تغذيها ترعة رئيسية بطول 22 كيلومتراً وعرض 36 متراً، بثلاث محطات رئيسية و32 طلمبة بطاقة إنتاجية تصل إلى 100 متر مكعب في الثانية، يضم المشروع حظائر متطورة للدواجن، ومزارع لتسمين العجول وإنتاج الألبان، وهو على وشك إكمال خارطته التشغيلية ليصبح إحدى ركائز الأمن الغذائي في السودان.
هناك أيضاً مطار عطبرة، ومدينة الذهب، ومشاريع إعادة تأهيل كبرى للمشاريع الزراعية، من القاش في كسلا إلى شراكة مع الشركة العربية في خشم القربة، وفي الدامر، دخلت الطاقة الشمسية حقول القمح، فأثمرت ثقة بأن الزراعة يمكن أن تكون عابرة للأزمات.
زادنا في زمن الحرب أشبه بسد في وجه الانهيار، رعت الملتقى الاستثماري الصناعي الأول في ولاية نهر النيل، بينما انشغل آخرون بالتشكيك، السؤال هنا ليس عن جدوى ما تفعل، بل عن البديل: من غير زادنا كان سيملأ فراغ الغذاء؟ من غيرها حافظ على بنية المؤسسات في نهر النيل؟ ومن غيرها مضى في التنمية وسط الظروف الصعبة؟..إن ما تقوم به زادنا ليس سباقاً إلى الربح، بل رهان على بقاء الدولة،إنها رمز للعمل الوطني الصامت، وستظل تمضي مهما اشتدت العواصف، لأن السودان يحتاج إلى من يبني، لا من يهدم.
وكل ما ذُكر هنا هو الوجه المعلن من القصة، أما ما خفي فهو أعمق وأوسع مما يتصور كثيرون. فـ”زادنا العالمية” لها مسارات عمل لا تُرى بالعين المجردة، وخطط تحفظ للوطن أمنه الاقتصادي في صمت، وجبهات أخرى لا تقل أهمية عن جبهات القتال، وما دام أنها تتبع لاستثمارات القوات المسلحة، فإن ما تقوم به ليس مجرد مشاريع، بل هو جزء من استراتيجية أشمل لحماية مقدرات البلاد، وتحصينها من أي فراغ أو انهيار، وما سيُروى لاحقاً، ربما يكشف للقارئ أن الصورة التي يراها اليوم ليست إلا الصفحة الأولى من سجل طويل من الإنجاز.