مقالات الرأى

رشان أوشي تكتب : القيادة في المنطقة الرمادية!

 

متابعات – نبض الوطن – نعم، بلادنا تعيش حرباً جعلت الطموح وجودياً، والمستقبل سؤالاً مفتوحاً على المجهول.

لكن بجانب الحرب، هناك دولة لا تزال تنبض، وزراء ومؤسسات وقيادة تحاول أن تحكم إيقاع البقاء وسط الفوضى. هناك قتال في ميادين عدة: ميدان السلاح، وميدان السياسة، وميدان الإدراك الجمعي ذاته.

الرباعية التي تحاصر الدولة لا تتحدث بلغة البندقية،بل بلغة القوة الناعمة؛لغة المصالح والضغوط والتمويل وإعادة هندسة القرار الوطني.

والإمارات التي تمد نفوذها إلى رئة الدولة لا تكتفي بالبندقية المستأجرة، بل تمارس نوعاً من الاختراق الدبلوماسي المركّب، توظف فيه الإعلام والعلاقات والمال لتعيد تعريف حدود التأثير والهيمنة.

ومع ذلك، تبدو القيادة العسكرية وكأنها اختارت المكوث في المنطقة الرمادية، تلك المساحة التي لا تُبقيك صديقاً للمدنيين ولا خصماً لهم.

لم تكن جادّة في بناء حكومة مدنية بصلاحيات كاملة، ولا في تفكيك بنية السلطة التي جعلت من رئيس الوزراء المدني موظفاً إدارياً في دولة البزّة العسكرية.

إنها حالة من الجمود السياسي، حيث تتوازن القوى دون أن تتكامل، ويتحرك المشهد بلا اتجاه واضح، كدولة تعيش في انتظار حدث أكبر منها.

الطبقة السياسية التي تناصر العسكر في معركة الوجود ليست بمستوى اللحظة؛فهي عاجزة عن إنتاج خطاب سياسي أو مشروع وطني جامع، شخصيات وكيانات مجهرية لا وزن لها في الذاكرة الشعبية، ولا حضور في العواصم المؤثرة.

أحزاب محنطة، تقتات على تاريخ لم يعد حياً، وقيادات تشيخ سياسياً دون أن تدرك أن الماضي وحده لا يكفي لصنع شرعية متجددة.

لقد تحولت القوى السياسية المناصرة للجيش إلى عبء على القيادة بدل أن تكون رافعة لها، وأصبحت الدولة تنظر إليها بعين الشك واليأس في آن معاً.

هذه المنطقة الرمادية أنتجت ضباباً كثيفاً يحجب الرؤية ويضع القيادة في مرمى الشك الجماهيري،
بينما يمضي العدو بخطاب سياسي منظم، مدعوم بغطاء دولي وتمويل خارجي، ويمنح حاضنته السياسية وحلفاءه شرعية رمزية في حكومته المزعومة.

وفي المقابل، تكتفي القيادة بسياسة العصا والجزرة، تُبقي الأحزاب في المدار دون احتواء حقيقي.
وتخشى في الوقت نفسه من إقصائها الكامل، فتُبقي المشهد السياسي معلقاً بين الولاء واللا يقين.

لم تقرأ القيادة العسكرية من كتاب التاريخ،ولم تمتثل بعد لحقائق الواقعية السياسية التي تقول إن كل قوة تحتاج إلى إطار فكري جامع يحميها من التآكل الداخلي.

أليس من الأفضل أن تتجه إلى تجربة شبيهة ب”الاتحاد الاشتراكي”، تشكيل حاضنة وطنية براغماتية تُعبّر عن مشروع الدولة الانتقالية،بدل الاكتفاء بخطاب الحرب التعبوي الذي لا يصلح أساساً لبناء دولة؟.

فالحرب، مهما امتدت، ليست مشروع حكم؛وما لم تُجب القيادة على سؤال “اليوم التالي”، فإن كل انتصار عسكري سيظل ناقصاً بلا أفق سياسي واضح.

السؤال الوجودي الآن ليس: كيف نربح الحرب؟
بل: ماذا سنفعل حين تتوقف؟، هل لدينا ما نقدمه لشعب أنهكته البنادق وأرهقته الشعارات؟.

إن لم تتوافر الإجابة اليوم، فلن يصمد الغد طويلاً أمام رياح التاريخ.

محبتي واحترامي.

 

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى