
لم تكن الثقة التي حظي بها الأمير محمد بن سلمان في المملكة وليدة لحظة، ولا نتاج حملة إعلامية، بل جاءت من قراءة الشعب السعودي—بمختلف شرائحه—لصفاته القيادية التي برزت قبل أن يتقلّد ولاية العهد. ولعل أهم ما أدركه السعوديون مبكرًا هو أن أمامهم قائدًا شابًا يملك جرأة القرار، وسرعة الإنجاز، واستيعابًا عميقًا لمعادلة العالم المتغيّر.
لم يكن الملك سلمان بن عبدالعزيز، بخبرته الطويلة وحنكته المعروفة، ليسلّم زمام إدارة الدولة لابنه لولا يقينه بأن المملكة تحتاج قائدًا يواكب عصرها ويصنع مستقبلها. ومع مؤشرات القُدرة التي برزت في بدايات الأمير محمد بن سلمان، كان الانتقال الطبيعي لأن يتحمّل مسؤوليات الدولة الكبرى، سياسيًا واقتصاديًا وتنمويًا.
رجل الأزمات… وصانع الحلول
منذ دخوله ثِقَل السلطة، أثبت محمد بن سلمان قدرة لافتة على إدارة الملفات المعقّدة، سواء داخل المملكة أو خارجها. عرف كيف يتعامل مع الأزمات الإقليمية، وكيف يقود حوارًا ذكيًا ومتوازنًا مع القوى الكبرى، وكيف يحافظ على مكانة بلاده دون الدخول في دوامة المواجهات أو الاستنزاف.
وفي الأزمات العربية، برز حضوره في ملفات سوريا واليمن والسودان، حيث اختارت المملكة مقعد المبادرة بدل مقعد المتفرّج. وكانت مفاوضات جدة إحدى أهم محطّات الدور السعودي في السعي لإيقاف نزيف الحرب في السودان، كأول محاولة جادّة لجمع أطراف النزاع على طاولة يمكن البناء عليها.
رؤية تُغيّر شكل الدولة
في الداخل، أحدث الأمير محمد بن سلمان تحوّلاً جذريًا في مفهوم التنمية. لم يعد التحديث في المملكة تحسينًا تدريجيًا للبنية التحتية، بل أصبح مشروعًا واسع الأفق يعيد صياغة الاقتصاد والمجتمع والصناعة والسياحة والثقافة والبيئة.
مشاريع الرؤية لم تكن مجرد خطط، بل تحوّلت إلى واقع يُرى في جودة الحياة، وفرص العمل، وتحريك الاقتصاد، وفتح أبواب كانت مغلقة لعقود طويلة.
السودان في قلب الرؤية السياسية
وفي خضم الحرب في السودان، كان لحديثه الأخير مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثر لافت، ليس على مستوى الموقف الأمريكي فحسب، بل على وجدان السودانيين أنفسهم. قدّم الأمير محمد بن سلمان رؤية واضحة عن حقيقة الأزمة، وعن معاناة الشعب السوداني، وعن ضرورة أن تقوم الولايات المتحدة بخطوات عملية لوقف الحرب، وهو ما دفع واشنطن إلى إعلان استعدادها للتدخل الفاعل.
يعرف السودانيون تمامًا تأثير الولايات المتحدة على الدول الداعمة للحرب، ويدركون أن تحركًا أمريكيًا جادًا يمكن أن يغيّر المعادلة. ولذلك تلقّى السودانيون الموقف السعودي الأخير بتفاؤل كبير، ورأوا فيه بارقة أمل قد تُعيد السودان إلى طريق الدولة، لا طريق المليشيات.
شعبٌ يُبادل الوفاء بالوفاء
لم يكن موقف السودان من المملكة يومًا عابرًا، ولم يكن تقدير السودانيين للسعوديين جديدًا. فمنذ اندلاع الحرب، وقفت المملكة حكومة وشعبًا إلى جانب السودانيين في كل ما استطاعت تقديمه: إغاثة، إيواء، دعم سياسي، وحرص على أن لا يتحوّل السودان إلى ساحة مفتوحة للصراع الإقليمي.
واليوم، يشعر السودانيون بأن الأمير محمد بن سلمان اختار أن يضع السودان ضمن أولوياته، وأن يقدّم له الدعم السياسي الذي غاب عنه طويلاً. ولذلك وجد طريقه إلى قلوبهم قبل أن يجد طريقه إلى مؤسسات القرار الدولي.
ما بين قيادة شابة تملك رؤية، ومملكة تعرف حجم مسؤوليتها، وسودان يتطلع للسلام—تتشكل مرحلة قد تعيد رسم المشهد في المنطقة. والسودانيون، الذين دفعوا أغلى ثمن لهذه الحرب، يعلّقون آمالهم على أن تكون الخطوات السعودية الأخيرة بداية النهاية لمأساتهم، وبداية طريق جديد نحو دولة تستحق الحياة.









