راشد همت يكتب : غزة تنتصر : اتفاق وقف إطلاق النار

بموجب المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، يُنتظر أن تحدث تغييرات جذرية في واقع غزة. حيث سيتم إطلاق سراح 1650 أسيرًا فلسطينيًا، بما في ذلك 250 أسيرًا محكومًا بالمؤبد، وإطلاق سراح جميع الأطفال والنساء الذين اعتُقلوا بعد 7 أكتوبر، بالإضافة إلى إطلاق سراح جميع من أُعيد اعتقالهم بعد صفقة شاليط.
كما ينص الإتفاق على الإنسحاب الكامل من قطاع غزة، بما في ذلك محوري نتساريم وفيلادلفيا وشارع الرشيد ومعبر رفح، وسحب الطائرات من أجواء القطاع. وسيسمح بعودة النازحين إلى الشمال وحرية الحركة، بالإضافة إلى فتح معبر رفح لإدخال المساعدات والمستلزمات وخروج المصابين للعلاج دون شروط.
تستمر المرحلة الأولى من الاتفاق لمدة ستة أسابيع، حيث سيتم خلالها انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من وسط غزة وعودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال القطاع. ومن المتوقع دخول 600 شاحنة يوميًا، منها 50 تحمل الوقود و300 مخصصة للشمال.
في السياق نفسه، ستقوم حماس بإطلاق سراح 33 رهينة، بما في ذلك جميع النساء (جنود ومدنيين)، والأطفال والرجال فوق الخمسين عامًا. ومن المقرر أن تُفرج حماس أولاً عن النساء دون سن 19 عامًا ثم الرجال فوق سن الخمسين. بينما ستطلق دولة الكيان سراح جميع الأسيرات والأسرى الفلسطينيين الذين تقل أعمارهم عن 19 عامًا والذين اعتُقلوا منذ 7 أكتوبر مع نهاية المرحلة الأولى.
على الرغم من هذه المؤشرات الإيجابية، يبقى هناك شعور بالقلق والتوجس. فقد استمر الصراع لمدة 464 يومًا منذ بداية الحرب، مما تسبب في معاناة كبيرة. ولعل هذه الاتفاقية تمثل بارقة أمل لوقف دوامة العنف التي عانت منها غزة. إن الأمل يراود الجميع أن يكون هذا اليوم هو الأخير من أيام الحرب، وأن يتمكن الشعب الفلسطيني من التحرر من عقدة الخذلان التي عاشها على مدار 16 شهرًا.
لقد شهدت غزة على مدار تلك الفترة صمودًا أسطوريًا، حيث ارتكب الاحتلال المجازر والإبادات الجماعية، مما أسفر عن استشهاد الآلاف من الشهداء والجرحى، بل في مجزرة واحدة قُتل أكثر من 130 شخصًا في بيت لاهيا. ومع كل ساعة تمر، كانت تأتي أنباء عن مجزرة جديدة.
اليوم الثالث عشر من الشهر السادس عشر من أيام الحرب، ولا يزال الصمود يتجلى في أبهى صوره. إن أهل غزة المجاهدين قد ضربوا أروع الأمثلة في الشجاعة والصبر، مدافعين عن أرضهم وعرضهم. وقد أثبتوا أنهم قادرون على مواجهة أكبر القوى العسكرية في التاريخ، وصمدوا رغم الحصار والدمار.
وفي هذا السياق، جاء اعتراف وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف اليميني، إيتمار بن غفير، بأن حزبه منع التوصل إلى صفقة رهائن في مناسبات عديدة، واصفًا الصفقة التي من المتوقع الإعلان عنها بأنها “استسلام لحماس.” وهذا يعد إقرارًا بهزيمة إسرائيل وانتصار حماس، حسب العديد من التحليلات والآراء التي تتداول في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
ما يؤكد أن إسرائيل مجرد مشروع صهيوني استيطاني يحقق المصالح الأمريكية الغربية في المنطقة هو أن ترامب كان قد فرض على إسرائيل الرضوخ لتوقيع صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. حيث أدركت واشنطن أن حماس فكرة يصعب القضاء عليها، وأن الشعب الفلسطيني من أقوى شعوب العالم تمسكًا بأرضه ودفاعًا عنها.
تستحق الشكر والتقدير لدولتي قطر وتركيا لرعايتهما لهذا الاتفاق وما قدماه للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني عبر دعمهما المستمر. إن مواقفهم المشرفة تعكس التزامهم الثابت بالقضية، وتؤكد على أهمية التضامن العربي والدولي في دعم حقوق الفلسطينيين.
سيسجل التاريخ أن أهل غزة المرابطين المجاهدين الصابرين قد ضربوا أروع الأمثلة في العصر الحديث عن الشجاعة والصبر، وأنهم تمكنوا من هزيمة أكبر القوى العسكرية التي ظهرت في التاريخ. إنهم مجموعة من المؤمنين تترسوا في باطن الأرض في بقعة ضيقة محاصرة من كل جانب، فصمدوا وصبروا وقاتلوا دفاعًا عن أرضهم ودينهم، واستحقوا النصر على أكبر قوة غاشمة. إنها معجزة ربانية تاريخية ستغير مستقبل البشرية.
اللهم اجعل هذا العام عام نصر وتمكين لعبادك الموحدين، واجبر أهل غزة جبرًا يليق بجلالك، واقهر الأعداء قهرًا يليق بقوتك.
حفظ الله شعبنا الفلسطيني العظيم، ونتمنى أن يكون هناك سلام حقيقي يليق بمعاناتهم وتضحياتهم. غزة، أنتِ تستحقين الفرح والسعادة، ولنا فيكِ الأمل.