
بقلم: إبراهيم عدلان
لا يختلف اثنان على أن الموقع الجغرافي للسودان، وتحديدًا مطار الخرطوم، يُعد ميزة استراتيجية نادرة، تُغري بتحويله إلى مركز عبور إقليمي (Hub). ولكن المقال الذي كتبه الأستاذ سامي الأمين – رغم ثرائه بالمقارنات الرقمية – وقع في تناقض بين الحُلم والواقع، بين النظرية والتطبيق، وبين السياسات الاقتصادية الجوية وأماني “الرفاهية المفترضة”.
لقد أغفل الكاتب – وربما تجاهل – أهم شرط لتحويل مطار إلى مركز عبور دولي: وجود ناقل وطني قوي أو شراكة فعّالة تضمن التشغيل المحوري (Hub Operations). فلا يكفي أن تبني صالات حديثة، وتوفر وقودًا رخيصًا، إن لم توجد شركة طيران قادرة على تشغيل شبكة منتظمة ومترابطة، وفق نظرية “Hub and Spoke”، حيث يكون المطار محورًا تنطلق منه الرحلات إلى أطراف الشبكة (Spokes) وتعود إليه.
بين الترانزيت و”الـ Connecting Passengers”
الخلط بين “الركاب العابرين” (Transit Passengers) و”الركاب المتصلين” (Connecting Passengers) واضح في المقال:
• الراكب الترانزيت هو من يبقى داخل الطائرة أو في قاعة محددة في المطار لعدة ساعات دون تغيير الطائرة أو خطوط الطيران.
• أما الراكب المتصل (Connecting Passenger) فهو الذي يصل عبر رحلة جوية إلى مطار ما ليُغيّر طائرته إلى رحلة أخرى، غالبًا على ذات شركة الطيران أو شركاء تحالفها الجوي، وهذا النوع هو جوهر تشغيل المراكز المحورية.
المشكلة أن السودان، لا يملك ناقلاً وطنياً يملك شبكة خطوط واسعة مرتبطة بنقاط متعددة، ليضمن تدفقاً مستمراً للركاب المتصلين. فكيف نرجو بناء مركز عبور دون خطوط تربطه بأفريقيا وآسيا وأوروبا والخليج؟ لا يمكن الاستعاضة عن ذلك بـ”الترانزيت”، الذي لا يُبنى عليه اقتصاد عبور حقيقي.
حريات النقل الجوي: الغائب الأكبر
ما تجاهله المقال تمامًا هو أن التحول إلى مركز عبور يتطلب سياسات أجواء متقدمة، تقوم على تفعيل حريات النقل الجوي التسع، وأهمها:
• الحرية الخامسة: نقل ركاب من دولة إلى أخرى عبر الدولة المضيفة.
• الحرية السادسة: نقل ركاب بين دولتين عبر الدولة المضيفة على ناقلها الوطني.
لكن هذه الحريات لا تُمنح من طرف واحد، بل تتطلب اتفاقيات متبادلة وشروط تنافسية، ووجود ناقل وطني قوي ليتمكّن من استغلال هذه الحريات. فهل في السودان اليوم ناقل وطني قادر على تشغيل هذا النوع من الحركة؟ الإجابة الواقعية: لا.
في أديس ودبي والدوحة… أين كانت البداية؟
• أديس أبابا نجحت لأن لديها “الخطوط الإثيوبية” بتوسع عالمي مدروس.
• الدوحة تحوّلت لمحور لأن “القطرية” صممت شبكتها الجوية لتجعل من مطار الدوحة قلبًا نابضًا.
• دبي مدينة عبور بامتياز بفضل “طيران الإمارات”، لا بسبب موقعها الجغرافي فقط.
كل هذه التجارب تؤكد أن “الناقل الوطني” هو حجر الأساس، وليس المدرج أو السوق الحرة. وحتى السوق الحرة ليست إلا نتيجة حركة كثيفة ومنتظمة للركاب، لا سببًا لها.
المطار لا يصنع الناقل… بل العكس
يمكنك بناء أفضل مطار في العالم، لكنه سيبقى خاليًا إن لم تملك شبكة خطوط. ولتملك هذه الشبكة، عليك أن تبدأ أولاً بسياسات واقعية لبناء أو دعم ناقل وطني قوي، يمتلك:
• خطة توسع مدروسة.
• إدارة تشغيلية عالية.
• شراكات دولية وتحالفات إقليمية.
• قدرة تنافسية أمام عمالقة الطيران في المنطقة.
الخلاصة
أحلام تحويل مطار الخرطوم إلى مركز عبور ليست مستحيلة، لكنها مشروطة بخطة وطنية تبدأ بالناقل الوطني وتنتهي بالبنية التحتية وليس العكس. أما ما أورده المقال، فهو خليط من الأمنيات غير المؤسسة، التي تغفل متطلبات أساسية كحريات النقل، وعقود التشغيل، واتفاقيات الأجواء المفتوحة.
الموقع الجغرافي لا يصنع المعجزة وحده. إن لم نُشيد فوقه استراتيجية محكمة، فإننا سنظل نردد ما قاله الكاتب، لكنه سيبقى حديثًا عن حلم لم يولد بعد.