مقالات الرأى

شبكات النفوذ تسيطر على إستيراد المواد الكيميائية لإستخلاص الذهب”

 

بقلم رشان أوشي

على مدى عقد ونيف من الزمن، جرى التعامل مع تعدين الذهب باعتباره الرهان الكبير على مستقبل السودان الاقتصادي، السودانيين من حلفا إلى الجنينة يرون في الذهب البديل الموثوق للنفط وقوة صاعدة يمكن أن توازن النفوذ الاقتصادي وتفتح أسواقاً جديدة أمام الاستثمارات والتجارة.

يمر السودان بلحظات فارقة تختبر قدرته على الصمود، و الفرق بين الانهيار والنهضة يكمن في الاستعداد المسبق وحسن إدارة المخاطر، ومكافحة الفساد .

لا حاجة إلى المقدمات والشرح الطويل. هذا ما حدث.

الشركة الحكومية “سودامين” حصلت على احتكار تراخيص استيراد المواد الكيميائية في أكتوبر 2021، بدلًا من أن تقوم “سودامين” باستيرادها مباشرة، تعاقدت مع شركات خاصة ، لاستيراد كميات ضخمة. واستوردت نحو (4000 ) طن من “الزئبق” خلال النصف الثاني من 2021 حتى عام 2022 ما يعادل 450% من تجارة “الزئبق” العالمية لعام 2020.

جزء كبير من المستورد عبر الشركات تم تهريبه أو صرفه خارج إطار الرقابة الصحية أو البيئية .

تعتمد الدولة في النسبة الكبرى من صادر الذهب على التعدين التقليدي، والذي يستخدم مادة “الزئبق” في عملية الاستخلاص، ولكن مع الكميات الضخمة المستوردة من المواد الكيمائية ظهرت طواحين (البولميل) وهي عبارة عن مصانع عشوائية لاستخلاص الذهب، عبرها يتم استخدام “الكربون النشط ” و”السيانيد” بصورة غير مطابقة للبيئة، ولا تخضع لإشراف وزارة المعادن والشركة السودانية للموارد المعدنية ويتم تهريب الذهب المنتج دون أن تحصل الحكومة على نصيبها المنصوص عليه في القانون .

قامت “سودامين” بالسماح باستيراد “الكربون”، “الزئبق” و “السيانيد” عبر شركات تجاريه مقابل تحصيل نسبة (١٠%) من قيمة المدخلات، مما تسبب في تغذية مصانع (البول ميل) في سوق دارمالي.

بحسب شهود عيان ، ينتج مصنع “البوليمل” حوالي(٣) كيلو شهرياً و مجمل انتاج المصانع العشوائية بسوق دار مالي بولاية “نهر النيل” حوالي (٣) طن سنوياً يتم تهريبها ولا تحصل الدولة على جرام منها .

ثمة ضغوط مورست على وزارة المعادن لضبط استيراد واستخدام مدخلات إنتاج الذهب، في مايو/٢٠٢٥م أصدر وزير المعادن قراراً بوقف استيراد المواد الكيميائية المستخدمة في التعدين (السيانيد، الزئبق والكربون النشط)، ولكن القرار استثنى الشركات التي حصلت على تصاديق مسبقة.

وهنا ظهرت قضية احتكار استيراد (الزئبق والكربون النشط) إذ تم التصديق بكميات كبيرة لشركتي(مامور كوميرا وام بي اي اس)، وقد استوردت الشركتين كميات كبيرة حتى ٢١/أغسطس/٢٠٢٥م عبر الميناء الجنوبي، أُدخلت كميات كبيرة عبر مطار بورتسودان، ميناء عثمان دقنة، ومرة أخرى عبر الميناء الجنوبي، عبر المخلصين (م .ح.م) و(ا.ا)، وأغرقت السوق بأسعار مرتفعة ، حيث ارتفع سعر أسطوانة “الزئبق” من (٢٠) إلى(٣٨) مليون جنيه .

احتكار استيراد المواد الكيميائية لإنتاج الذهب من قبل شركة حكومية وتحويل الاستيراد إلى شركات وسيطة تحوم حولها حول ملاكها شبهات ارتباط بالنخبة السياسية والمليشيات ، يشكل نموذجاً واضحاً للفساد المؤسسي.

هذه الصفقات تسببت في تسهيل عمليات تهريب واسعة، مقابل تجاهل متعمد للأضرار الصحية والبيئية، وعلى الرغم من تصريحات رسمية معلنة بضرورة تقليل الاعتماد على “الزئبق” فإن الواقع على الأرض يشير إلى عكس ذلك.
محبتي واحترامي

 

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى