
في تاريخ الأمم لحظات لا تُقاس بطول الزمن، بل بما تكشفه من معادن الرجال وصلابة المؤسسات،وفي لحظة سودانية ثقيلة الوطأة، حين فجّرت مليشيا الدعم السريع حربًا مدمّرة على الدولة في أبريل 2023، انسحب كثيرون من المشهد أو ترددوا في اتخاذ المواقف، بينما مضت قلّة نادرة في طريقها بصمت الواجب لا صخب الادعاء، من بين هذه القلّة، برزت شركة زادنا العالمية للاستثمار المحدودة، لا لتطلب دور البطولة، بل لتؤدي ما كان ينبغي على الجميع أن يفعله: أن تساند الوطن حين يُترك وحيدًا، وتنهض بمسؤوليتها في وقتٍ تراجع فيه كثيرون.
أثناء تمدد الفوضى وتراجع المؤسسات، تقدمت زادنا في لحظة كانت فيها الحاجة أشد ما تكون إلى الفعل الجاد، ففتحت مخازنها، وضخت السلع الغذائية في الأسواق، وأسهمت في تثبيت الأسعار ومنع الاحتكار، ووفّرت دعماً مباشراً وغير مباشر للمواطنين والمؤسسات التي صمدت في وجه الانهيار،كما تبنّت مبادرات مهمة في مجالات حيوية، شملت الصحة، والتعليم، وحفر الآبار في المناطق التي انقطعت عنها الخدمات، وذلك في وقت غابت فيه الكثير من الجهات عن المشهد.
لكنّ ما أنجزته زادنا في مرحلة الحرب لا يُقارن بحجم التحديات التي تنتظرها في مرحلة ما بعد الحرب، حيث تتحوّل الأولويات من الصمود إلى إعادة الإعمار والتنمية المستدامة،ومع اتضاح ملامح هذه المرحلة الجديدة، بدأت الشركة فعلياً العمل على ملفات استراتيجية، في مقدمتها إعادة تأهيل الطرق والبنية التحتية في مناطق سيادية تضررت، واستئناف العمل في المنشآت المتوقفة، والدخول في شراكات إنتاجية مع عدد من ولايات السودان، بما يعيد تنشيط الاقتصاد المحلي ويفتح فرصًا جديدة للزراعة الحديثة والتوسع الصناعي،كما تتجه زادنا نحو تحديث أدواتها الزراعية والهندسية، بما يتماشى مع التغيرات الإقليمية والدولية، مستفيدة من تجربتها في سنوات الصمود، لتنتقل إلى مرحلة أكثر تقدمًا قائمة على الابتكار وتكامل الأدوار بين القطاعين العام والخاص.
وراء هذا الحضور المؤسسي المتماسك، يبرز اسم الدكتور طه حسين، المدير العام للشركة، كأحد أبرز القيادات الاقتصادية في البلاد،فهو ليس فقط إداريًا ناجحاً، بل مهندس مالي محنّك، يمتلك قدرة نادرة على تصميم الحلول وسط الأزمات، ويقود المؤسسة بعقلية استراتيجية تُوازن بين ضرورات اللحظة وآفاق المستقبل،وبفضل رؤيته المتزنة وخبرته العميقة، استطاعت زادنا أن تظل مستقرة وفاعلة رغم الظروف بالغة الصعوبة، وأن تتحول إلى نموذج يُحتذى في العمل المؤسسي الوطني.
إنّ ما ينتظر زادنا في المرحلة المقبلة هو مسؤولية مضاعفة، إذ يُعول عليها في المساهمة الحقيقية في نهضة ما بعد الحرب، من خلال استثمارات ذكية، وشراكات تنموية، وأدوار تكاملية مع مؤسسات الدولة،وإذا ما واصلت زادنا النهج ذاته من التخطيط والانضباط، فإنها ستكون إحدى الركائز الأساسية في معركة بناء الدولة وإعادة الاعتبار لقدرة السودانيين على إدارة مقدراتهم بأنفسهم.
ختاماً، فإنّ التجارب الكبيرة لا تختبر الأفراد فقط، بل تختبر كذلك المؤسسات التي تملك رؤية وأدوات،وزادنا، بما راكمته من خبرة، وما قدمته في وقت العُسرة، وما تُعدّ له من مشروعات، تؤكد أنها ليست مجرد شركة، بل جزء من البنية الوطنية الصامدة التي تكتب صفحة جديدة في مستقبل
السودان.