
بورتسودان – متابعات – نبض الوطن
في زمن تتكالب فيه الأزمات على السودان، وتشتد فيه المؤامرات التي تستهدف ما تبقى من مقومات الدولة، لا يزال البعض يهوى اصطياد الكفاءات وتوجيه طعنات الغدر لمن يحاولون الوقوف بثبات وسط العاصفة،آخر ضحايا هذه السهام المسمومة هو الأستاذ معتصم محمد الأمين عبد الله أحمد، مساعد المدير العام للتقنية وتطوير الأعمال في بنك أمدرمان الوطني، الذي وجد نفسه فجأة وسط حملة تشهير مريبة، لا تمت للموضوعية بصلة، ولا تستند إلى حقائق أو تقييم مهني منصف.
معتصم ليس وافداً على القطاع المصرفي من بوابة السياسة أو المحسوبية كما يحاول البعض تصويره، بل هو خريج جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، حيث نال درجة البكالريوس في دراسات الأعمال، تخصص البنوك والتصدير، وليس في المحاسبة كما زعم التقرير الملفق والخبيث الذي جرى تداوله بهدف تضليل الرأي العام. معتصم أيضاً حاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال (MBA) من جامعة ديفراي الأمريكية، ويمتلك خبرة واسعة في مجال التقنية وتطوير الأعمال، سواء داخل السودان أو خلال عمله في الخارج، وهي تجارب مشهودة كان من الطبيعي أن تؤهله لتولي موقع قيادي في أحد أكبر المصارف الوطنية.
تعيينه في بنك أمدرمان الوطني لم يكن صدفة ولا مغامرة بلا تدقيق، بل كان نتيجة لرؤية تطويرية واعية تهدف إلى إعادة هيكلة البنية التقنية للبنك ومواءمتها مع المتغيرات المتسارعة في قطاع المال والأعمال، من يعرف طبيعة هذا المجال يدرك تماماً أن اختيار شخصية بمثل خلفية معتصم المهنية لا يأتي إلا في إطار استراتيجية إصلاح حقيقية، وهذا ما يخيف بعض الجهات المتنفذة التي اعتادت العمل في الظل.
لكن للأسف، فإن بعض جيوب نظام الإنقاذ البائد لا تزال تسيطر على مفاصل بنك أمدرمان الوطني، وتُقاوم كل محاولة تطوير أو تحديث، بل وتضع المتاريس أمام كل من يحاول النهوض بالمؤسسة،هؤلاء لم يطيقوا رؤية شاب صاعد بكفاءته ومؤهلاته، فشنوا ضده حملة شرسة، محاولين التأثير على قرار القيادة العليا للدولة، وعلى رأسها الفريق أول عبد الفتاح البرهان، لدفعه نحو إبعاد الكفاءات التي لا تخضع لنفوذهم ولا تنتمي لمنظومتهم القديمة.
الحملة التي استهدفت معتصم جاءت على شكل اغتيال معنوي فج، يحمل بصمات من لا يحتملون صعود الكفاءات خارج شبكتهم. وقد استندت على أكاذيب مكشوفة، من بينها الزعم بأن معتصم محمد الأمين هو الشخص ذاته المرشح لتولي موقع حساس في بنك السودان المركزي، في حين أن الحقيقة المؤكدة أن ذلك المرشح هو شخص آخر تمامًا، ولا علاقة له بمعتصم محمد الأمين. بل إن الخلط بين الشخصين كان مقصودًا لخلق بلبلة والتشويش على الرأي العام.
ومن بين ما تم تداوله، اتهامات تتعلق بشقيقه الذي قيل إنه أدين في قضية تجسس، وحتى لو صحّ ذلك — وهو أمر لم يصدر بشأنه بيان رسمي أو حكم منشور — فإن المبدأ الديني والقانوني والإنساني يقول: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”. فكيف يُحمّل المرء تبعات أفعال غيره؟
أما ما قيل عن خاله السياسي المعروف (علي الريح السنهوري)، فهو محاولة يائسة لربط لا علاقة له بالمهنية ولا يخص الدور التنفيذي لمعتصم في مؤسسة مالية تقنية، وهو ذات الأسلوب الذي طال الكثير من الكفاءات الوطنية على مدى العقود الماضية..هذه الحملة تشبه إلى حد كبير “حملات السكاكين الطويلة” التي تُشهر في وجه كل من يقترب من ملفات الإصلاح أو يهدد مصالح الفاسدين في المؤسسات، وقد ألبسوها هذه المرة ثوب التلميحات والتشكيك في الانتماء، بل حتى في الوطنية، فقط لأن معتصم يحمل جنسية مزدوجة أو أقام بالخارج لفترة، وكأن الوطنية تُقاس بمكان الإقامة لا بحجم الالتزام بالوطن.
ما يحدث اليوم هو تكرار لمحاولات ضرب الكفاءات الوطنية التي تسعى للإصلاح داخل المؤسسات الحساسة، تحت ستار التشكيك والولاء والانتماء.،فالسودان يخوض اليوم معركتين: معركة بقاء عسكرية في الميدان، ومعركة نهوض مؤسسي واقتصادي في الداخل، ومن غير المقبول أن يُستخدم سلاح الشائعة والطعن في الظهر لتصفية الحسابات داخل مؤسسات يفترض أن تعمل بروح الدولة، لا منطق الشبكات.
معتصم محمد الأمين لا يطلب التصفيق، ولا يتحدث عن نفسه، لكنه يستحق أن يُترك ليؤدي عمله دون تشويه ولا تآمر. والحكم عليه يجب أن يكون من خلال أدائه، لا من خلال تقارير مفبركة تُصنع في الغرف المغلقة. من واجبنا الوطني أن ندافع عن الكفاءات التي تعمل بصمت، وأن نكف عن تحويل الناجحين إلى أهداف للرماة من الظلال.
وإن كان للحديث بقية، فستكون عن أولئك الذين يقفون خلف الستار، ويقودون حملات التشويه عن قصد، ويحاولون إعادة إنتاج منظومة الإقصاء باسم الوطنية الزائفة. السودان لا تنقصه العقول، بل تنقصه بيئة تحميهم من الطعنات المتكررة.