
لمياء صلاح تكتب
بينما تتباهي الحكومات في حديثها عن دعم وتسهيل التعليم والتبادل الأكاديمي وفتح الأبواب أمام الطلاب، يقف أكثر من ألفي طالب وطالبة سوداني اليوم في طوابير الانتظار على أبواب السفارات، يحملون قبولات رسمية من الجامعات المصرية، لكنهم عاجزون حتى عن عبور الحدود. لم يدخلوا مصر أصلاً، ولم تطأ أقدامهم قاعات المحاضرات التي طالما حلموا بها، وكل ما يملكونه الآن هو أوراق جامدة وأمل يتآكل يوماً بعد يوم.
هؤلاء الطلاب الذين كان من المفترض أن يبدأوا حياتهم الجامعية هذا العام وجدوا أنفسهم رهائن للتأشيرات. تركوا وراءهم حرباً أنهكت وطنهم، وخاضوا معركة أخرى لا تقل قسوة: معركة البيروقراطية. آلاف الأسر جهّزت أبناءها بكل ما تستطيع من نفقات ورسوم وسفر، فقط لتصطدم بجدار اسمه الموافقة الأمنية. عام دراسي كامل يوشك أن يضيع، ومعه أحلام آلاف الشباب الذين أرادوا أن يفتحوا صفحة جديدة في حياتهم.
والمأساة بلغت ذروتها حين أعلنت السفارة السودانية في مصر عن نشر قوائم لما سمّته موافقات أمنية جديدة. لكن سرعان ما اكتشف الجميع أن هذه القوائم تعود لطلاب موجودين أصلاً في مصر ويدرسون منذ عام أو عامين! فهل هذا استهتار بعقول السودانيين؟ هل المطلوب أن نصفّق لسفارة تعلن إنجازاً ورقياً زائفاً بينما أكثر من ألفي طالب يقفون في العراء أمام سفارات لم تمنحهم حتى حق الدخول إلى قاعات الامتحانات؟
الأدهى أن بعض القنصليات والسفارات السودانية في دول أخرى سارَت على النهج ذاته، فنشرت كشوفات قديمة بلا قيمة. كأن المؤسسات الرسمية تعيش في عالم موازٍ، تكتفي فيه بإعادة تدوير أسماء الطلاب القدامى بدلاً من مواجهة الحقيقة: أن جيلاً جديداً يقف على الأبواب، بلا مقاعد، بلا مستقبل، وبلا من يسمع صوته.
إنها ليست أزمة تأشيرات فحسب، بل أزمة ثقة. كيف يثق الطلاب في مؤسسات تعجز عن حمايتهم وتأمين أبسط حقوقهم؟ كيف يطمئن الآباء إلى مستقبل أبنائهم وهم يرون أبناءهم واقفين أمام أبواب السفارات، لا يعرفون إن كانوا سيدخلون الجامعات غداً أم سيضيع منهم العام بأكمله؟
إن ما يحدث هو جريمة تعليمية وأخلاقية في حق السودان وشبابه. فبينما يتحدث العالم عن الاستثمار في العقول، يظل أكثر من ألفي طالب سوداني عالقين بلا حول ولا قوة. التاريخ لن يغفر لهذا الإهمال، ولن يرحم مؤسسات تلاعبت بمستقبل جيل كامل.
الحل واضح وبسيط: مسار عاجل يمنح هؤلاء الطلاب تأشيرات فورية، بعيداً عن المماطلة والوعود الكاذبة. فكل يوم تأخير يعني خسارة جديدة، وكل عام ضائع يعني ضربة قاسية لمستقبل وطن بأكمله. التعليم ليس ترفاً ولا مكرمة من أحد، بل حق أصيل لا يجوز المساس به.
وإذا استمر العبث، فسيكتب التاريخ أن أكثر من ألفي طالب وطالبة سوداني كانوا على أبواب الجامعات، لكنهم حُرموا من الدخول لا بسبب ضعفهم، بل بسبب تقاعس سفارات وقنصليات اختارت أن تغطي فشلها بنشر قوائم قديمة لطلاب يدرسون بالفعل.
التعليم هو خط الدفاع الأخير عن السودان، ومن يستهتر به إنما يستهتر بمستقبل وطن بأسره.