
بقلم: لمياء صلاح
في القُرى المتحدة، تغيّرت ملامح الحياة كما تغيّر نبضها.
لم يعد الفجر يحمل الأمل كما كان، ولا الغروب هدوءاً كما عهدناه. صار الموت ضيفاً يومياً، يأتي بلا موعد، يمرّ على البيوت واحداً تلو الآخر. في كل يوم، تُشيَّع جنازتان أو ثلاث، وغالباً دون دموع، فقد جفّت المآقي من كثرة الفقد، واعتاد الناس رحيل أحبّتهم كما يعتادون المرض والجوع.
أصبح المرض جزءاً من يوميات القرية، والحمّى، والملاريا، والضنك، والحُبشة تتناوب على الأجساد المنهكة. الأدوية شحيحة، والأسعار خرافية، والدواء الذي كان يُخفف الألم صار حلماً بعيد المنال. دفاتر العيادات امتلأت بالديون، وصفحاتها تحمل أسماء أناسٍ لم يتمكنوا من السداد، وربما لم يبقوا حتى ليُسدّدوا.
في القُرى المتحدة، تحوّل الاقتصاد بأكمله إلى اقتصاد مرضٍ ومعاناة. لم تعد الزراعة أو التجارة أو العمل اليومي أولوية، بل أصبح الهمّ الأكبر هو تأمين علاجٍ لمريضٍ هنا، أو دفن راحلٍ هناك.
كل مبلغ يدخل البيت، صغيراً كان أو كبيراً، يُوجَّه نحو شراء دواء أو سداد دينٍ لعلاجٍ سابق.
حتى الكلمة الطيبة أصبحت دواءً معنوياً في زمنٍ ضاقت فيه السبل.
يعيش أهلي اليوم بين الخوف من المرض، والعجز أمام ثمن العلاج، والحزن على من رحلوا دون دواء أو رعاية. هناك من يموتون وهم مكتوفو الأيدي، لا لذنب سوى أنهم لم يجدوا حقن دواءٍ أو سرير مشفى.
أجسادهم الهزيلة تُصارع في صمت، وأرواحهم تغادر بخفة، وكأن الحياة نفسها قد سئمت هذا الكم من الألم.
إن ما يحدث في القُرى المتحدة ليس حالة معزولة، بل هو مرآةٌ تعكس حال قرى السودان كلها. القرى التي أرهقتها الحرب، والغلاء، والوباء، وانهيار المنظومة الصحية. هناك وطنٌ بأكمله يئنّ من وجعٍ واحد: وجع المرض والعجز عن علاجه.
اليوم، لم يعد النداء ترفاً ولا الاستغاثة مبالغة.
نرفع صوتنا إلى وزارة الصحة، والمنظمات الإنسانية، وكل من يملك ضميراً حياً:
أعيدوا الدواء إلى الرفوف، أعيدوا الحياة إلى الناس.
أنقذوا من تبقّى قبل أن يصبح الموت هو العلاج الوحيد الممكن، وقبل أن يُمحى الأمل من وجوهٍ اعتادت الصبر حتى لم يعد الصبر يجد معنى