مقالات الرأى

قبل نوبل للسلام… غرف الطوارئ في السودان تستحق وسام الإنسانية

بقلم :
لمياء صلاح

من تحت الركام تجلّت أعظم صور التضحية، ومن قلب الفوضى وغياب المؤسسات، نهضت غرف الطوارئ السودانية ككيان وطني جامع، أعاد ترتيب الفوضى، ونظّم العطاء، وأثبت أن السودان لا يزال حيًّا بنبض أبنائه ووعيهم الإنساني.

غرف الطوارئ اليوم لم تعد مجرّد فرق إسعاف أو مبادرات تطوعية مؤقتة، بل أصبحت شبكة تنسيق وطنية تربط بين الداخل والخارج، بين المواطن والمنظمات، بين الميدان ومصادر الدعم.
تعمل بعقلٍ إداريٍ ناضج وبروحٍ إنسانيةٍ خالصة، تجمع بين العمل الشعبي والدعم المؤسسي والمنظمات الدولية، لتضمن وصول المساعدة حيثما احتاجها الناس.

في كل ولاية ومحلية، تنسّق هذه الغرف مع المنظمات الشريكة، وتستقبل الدعم الخارجي وتوزّعه بشفافية، وتضع خطط استجابة مبنية على أولويات ميدانية واقعية.
فهي من تدير مطابخ التكايا المجتمعية، وتنظم عمليات الإجلاء من مناطق النزاع، وتتابع أوضاع المرضى والنازحين، وتقدّم الرعاية النفسية والتوعية الصحية، وتوثّق الاحتياجات الميدانية لحظة بلحظة.

إن عبقرية غرف الطوارئ السودانية تكمن في قدرتها على الجمع بين المرونة الشعبية والانضباط المؤسسي.
فهي لا تعمل بمعزل عن العالم، بل تمثّل الواجهة الوطنية التي تعيد توجيه المساعدات الخارجية وفقًا لأولويات الواقع، وتضمن استمرارية الجهود رغم تعقيدات المشهد.
لقد نجحت في بناء جسور ثقة بين المواطن السوداني والمنظمات الدولية، بعدما كانت تلك العلاقة مشوشة بفعل النزاعات والسياسات.

تشهد لهم المستشفيات والمخيمات والتكايا، وتشهد المدن التي لم تنقطع عنها الخدمات بفضلهم.
لقد أعادوا ترتيب صفوف الوطن في لحظةٍ كان فيها كل شيء مهددًا بالانهيار، فأصبحوا رمزًا للوعي الجمعي والتنظيم الشعبي الذكي، لا مجرد مبادرة إنسانية.

السودانيون اليوم، بكل فخر، يمنحون غرف الطوارئ وسام الإنسانية، قبل أن تمنحها لجان العالم جائزة نوبل للسلام.
فهي لم تكتفِ بإنقاذ الأرواح، بل أنقذت معنى “الوطن” ذاته — وطنٌ يتشارك فيه الجميع المسؤولية، وينهض من بين الرماد ليقول للعالم:
الإنسانية في السودان ما زالت بخير.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى