مقالات الرأى

صحفي سوداني يهاجم فضيل …ما القصة!؟

عبدالباقي جبارة. .. يكتب .. ” فزع الحروف ” .. فضيل ” كاهن فرعون ” !

عندما اندلعت مواكب ثورة ١٩ ديسمبر المجيدة كانت ابنتي تغريد ونناديها ” تولا ” قد بلغت الثلاث أعوام ، وبما أن منزلنا يفتح في ميدان كبير بام درمان تمر به معظم المواكب التي تلتحم بمواكب ام درمان الكبرى بشارع الاربعين ، واحيانا تعبر هذه المواكب إلى الخرطوم عندما تستطيع كسر الطوق الأمني ، لكن أكتشفت بأن تولا وشقيقها ملهم أصبحت ألعابهم دائما تصاحبها هتافات المواكب ( الثورة ثورة شعب والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل ) ..( قول لي العسكري المغرور كل البلد دارفور ) ، أما عندما يرددون ( أي كوز ندوسو دوس ما منخاف منخاف ) هذا الشعار دائما معه رقصة أشبه بالمردوم أو رقصة ( العجكو) التي أشعلت ثورة أكتوبر ١٩٦٤م ،، لكن أهم شعار يتم ترديده باستمرار لدى هؤلاء الصغار هو ( حرية ، سلام وعدالة ) ، وفي الغالب ينتهي اللعب بمشكلة عندما تقول لشقيقها ” ملهم ” يا كوز ييدأ الضرب والبكاء من هذه الإساءة البالغة ثم تهدأ الأمور عندما نقول له يا ” راكز ” .. لكن ذات مساء والكهرباء قاطعة والجو صيفي وعرقنا يتصبب طلعت سطوح المنزل وانا احمل جوالي فتمددت على سرير حديد فلحق بي الطفلين يتلاعبون من حولي وبينما أتجول في الوسائط باغتتني تولا بسؤال لم أتحسب له على الإطلاق قائلة ( انت يا أبوي الكيزان ديل جو من وين )؟! صراحة ألجمتني الدهشة وأنا أفكر في الرد وصمت لفترة كأني لم اسمع السؤال لعلها تنشغل پأمر آخر ثم كررت السؤال فقلت لها ردا أعلم أنه أكبر من عقلها لكنني لم اجد غيره .. هذا السؤال سأله قبلك الطيب صالح ( من أين أتى هؤلاء ) ؟ ولم يجد له إجابة حتى الآن ، وواصلت الاسئلة ( منو هو الطيب صالح ) قلت : كاتب سوداني عالمي بكتب قصص جميلة ..قالت لي يلا احكي لينا منو قصة قلت لها عنده قصة اسمها ( موسم الهجرة للشمال ) وبما أنني لا أستطيع احكيها أصبحت احدثها عن الشمال وعن حضارته ونخيله والنيل والجنائن التي ترقد على ضفتيه وكذلك حدثتها عن قرية ( كرمكول ) التي ولد بها الطيب صالح وانتهى الموضوع عندما قالت لي لما تكبر نمشي نشوف الشمال .

وعندما اندلعت الحرب كانت تولا قد بلغت السبع سنوات وملهم خمسة سنوات وكنت أنا خارج السودان وكانوا الأكثر قلقا بالنسبة لي وظللت اتصل في اليوم على مدار الساعة وخاصة عندما اسمع ضرب وتدوين أو قصف بالطيران ناحية منزلنا .. وكنت دائما اسأل من الصغار ومدى تحملهم لسماع دوي الانفجارات وكيف حالة الرعب لديهم ودائما يحكوا قصص دخولهم تحت السراير والتصرفات المفاجأة لكن أكثر ما اقلقني لدرجة البكاء حكوا لي بأن ذات يوم كان الضرب عنيف ومرعب ومتواصل وكل الموجودين في المنزل اختبأوا تحت السراير وفي زوايا الحجرات إلا أصغر واحد في البيت ” ملهم ” ظل في مكانه ولم يتحرك وعندما توقف الضرب وأصوات الانفجارات أصبحوا يشيدون بشجاعته وعدم خوفه وأنه لم يهرب فقال لهم ( ما بخاف كيف لكن أنا ما لقيت كرعيني ) أي لم تحمله رجليه من شدة الرعب فلذلك ظل في مكانه .. هكذا واجه اطفالنا غرور العسكر .. وبعد ذلك قررت الأسرة الهجرة ومغادرة الديار مرغمين .. وبالفعل كانت الهجرة إلى الشمال مرورا بالملتقى ومشارف قرية ( كرمكول ) وجنائن الكرد والغاية والقولد التي كانت تمثل انشودة وحدتنا كسودانيين حين يردد كل سوداني دخل المدرسة انشودة ( في القولد ألتقيت بالصديق) وأستمرت رحلت تولا مع اسرتها التي حققت رغبتها بالهجرة للشمال لكنها كانت هجرة قسرية ولذلك الرغبة في الهجرة أقصى الشمال حتى يلامس نهر النيل العظيم البحر الابيض المتوسط لكن اصطدمت الرغبة بتوقف التأشيرات إلى جمهورية مصر العربية فأستقر ب تولا وإخوتها المقام في اجمل مناطق الشمال ارقو المركز والتي تربطنا مع أهلها علاقة النسب ولكن وجدناهم قد اكرموا وفادتتا أكثر من علاقة الدم والرحم وتلك قصة أخرى ..لكن وجدنا ارقو هي المحطة الأكبر للتخلص من الطاقة السلبية للحرب حيث بجانب من جمال الناس وجمال المكان والطبيعة إنها بلد الاب الروحي لثورة ١٩ ديسمبر الراحل المقيم علي محمود حسنين الذي لو ألتزم الثوار برؤيته لما كنا مشردين الآن .. وأرقو بلد الشاعر الفذ التجاني سعيد ( من غير ميعاد واللقيا أجمل في الحقيقة بلا انتظار ) وكأنه اعد هذه القصيدة ليكرم بها وفادتتا حيث كانت أجمل ستة شهور ( نزوح ) في موطني لكنه نزوح عبر ودروس في التاريخ وخاصة بأن آثار حضارة كرمة ترقد مسافة أمتار من ارقو ..
ثم تواصلت الهجرة شمالا . وكانت هجرة تولا وإخوتها عبر الصحراء والتي استغرقت من ابو حمد إلى أسوان أربعة أيام وهذه أكثر أربعة أيام قسوة عشتها في حياتي وانا في انتظارهم في دولة مصر وانقطعت اخبارهم عني وبلغ الخوف والإحباط مني درجة يصعب وصفها حين تراودني الهواجس بأنني فقدت كل أسرتي في الصحراء وكالعادة فاجأتني تولا بالواتساب عندما دخلوا الشبكة بعثت لي صورة تحمل معاني كثير والتقطت بعفوية اختارت اولا شروق الشمس في الصحراء حيث أطلت الشمس بين الجبال بحجمها الكبير المتورد حيث اختارت تولا أن تقف بزواية يكون قرص الشمس المستدير أمامها وأن الشمس لم تطلق أشعتها الحارقة بعد وكان ضياءها بكر فوضعت تولا راحة كفيها أسفل القرص وأعلاها ونظرت لعدسة الكاميرا فقالت عاوز أشيل الشمس دي ل بابا .. ( الصورة موجودة ) وهي أكثر تعبيرا من الكلمات ..
السؤال ما علاقة هذه القصة الطويلة ب فضيل كاهن فرعون ؟!

كاهن فرعون هو الذي تنبأ بأن مولود ذكر سينهي عرش فرعون ويلقى حتفه على يديه ولذلك أمر بقتل أي مولود ذكر يطل على الحياة ولكن إرادة الله فوق كل شئ فكان موسى عليه السلام الذي تربى داخل منزل فرعون .. أما فضيل يعلم تماما بأن موسى السودان هو ثورة ١٩ ديسمبر التي مواليدها ( حرية ، سلام وعدالة ” فلذلك طلب الكاهن فضيل قتل مواليد حرية ، سلام وعدالة وإنها هي التي ستكون سبب في هز عرش فرعونه ..
لكن لم يدر الكاهن فضيل بأن حرية سلام وعدالة ليس مكانها دفتي الكتب الدراسية بل قلوب اجيال حولوا رواياتنا إلى برنامج عمل ورسمه لوحات قبل أن يوضع هذا الشعار في كتبكم الدراسية .. حرية ، سلام وعدالة عليك أن تعلم أيها الكاهن في داخل بيت فرعونك وسيلقيكم في اليم ثم إلى جهنم وبئس المصير .. ( اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية ) .. حرية ، سلام وعدالة والثورة خيارة الشعب ..

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى